والشدة هو الكاشف لهم والدافع عنهم، ثم يكفرونه ويصرفون شكرها منه إلى غيره في حال الرخاء والسعة، ويؤمنون به في حال الشدة والبلاء؛ فيقول: أنا المنعم عليكم تلك النعم، وأنا المالك للكشف عنكم لا الأصنام التي عبدتموها، فكيف كفرتم بي في وقت الرخاء والسعة وآمنتم بي في وقت الضيق والبلاء؟! كانوا يخلصون له الدِّين في وقت ويشركون غيره في وقت، فيقول: أديموا لي الدِّين بقوله: (وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبً) ولا تتركوا الإيمان بي في وقت وتؤمنوا بي في وقت، وكذلك كان عادتهم: كانوا يكفرون بربهم في حال الرخاء والسعة، ويؤمنون به في حال البلاء والشدة؛ كقوله:(فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ. . .) الآية.
ويحتمل أن يكون فرض الجهاد على المسلمين والقتال معهم لهذا المعنى؛ لأن من عادتهم الإيمان في وقت البلاء والشدة والخوف، ففرض عليهم القتال معهم؛ ليضطروا إلى الإيمان فيؤمنوا ويديموا الإيمان، ومنذ فرض القتال معهم كثر أهل الإسلام فدخلوا فيه فوجًا فوجًا، وكان قبل ذلك يُدخَل فيه واحدًا واحدًا.
وفيه دلالة إثبات رسالة مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - حيث قال:(وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ) فإنما أخبر عما عرفوا وتقرر عندهم أن كل ذلك من عند اللَّه؛ ليعلموا أنه إنما عرف ذلك بالله تعالى.
ويشبه أن يكون إخباره عن سفههم من وجه آخر؛ وهو أنهم لم يروا في البشر أحدًا يطاع ويخضع إلا أحد رجلين: دافع بلاء عنه، أو جاز نفع إليه، فالأصنام التي عبدوها ليس منها دفع بلاء ولا جز منفعة، فلماذا يعبدونها؟
وقال أبو بكر:(لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ): أي بالقرآن.