وما أنعم عليهم من كثرة الأمطار والأنهار ما لم يكن ذلك لهَؤُلَاءِ، ثم مع ما كان أعطاهم ذلك أهلكهم إذ كذبوا الرسل.
فَإِنْ قِيلَ: كيف ذكر إهلاك هَؤُلَاءِ، وخوف أُولَئِكَ ذلك بتكذيبهم الرسل، وقد أهلك الرسل والأولياء من قبل؟
قيل: لأن إهلاك أُولَئِكَ إهلاك عقوبة وتعذيب؛ لأنه كان أهلكهم هلاك استئصال واستيعاب؛ خارجًا عن الطبع، وأهلك أُولَئِكَ الرسل والأولياء لا إهلاك عقوبة خارجًا عن الطبع؛ لذلك كان ما ذكر.
قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ) يخبر بشدة تعنتهم أنهم وإن أتوا ما سألوا من الآيات لم يؤمنوا به؛ لأنهم كانوا سألوا رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أن ينزل كتابًا يعاينونه، ويقرءونه، كقوله:(وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ) وكقوله: (لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً)، ونحوه من الآيات، وقوله:(وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ) أي: في صحيفة، مكتوبًا، يعلمون أنه لم يكتب في الأرض، ولمسوه بأيديهم، وعاينوه لم يؤمنوا به، ولا صدقوه، وقالوا:(إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) يخبر رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنهم لا يؤمنون، ويخبره بشدة تعنتهم أنهم لا يؤمنون وإن جئت بكل آية؛ إذ قد أتاهم من الآيات ما إن تأملوا ولم يتعنتوا لدلتهم على ذلك، لكنهم أعرضوا عنها، ولم يتأملوا فيها لتعنتهم، وشدة مكابرتهم، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ ... (٨) أن مشركي العرب كانوا لا يعرفون