للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويجعلون المحرم عامًا حرامًا وعامًا حلالًا، فكان النسيء من الشيطان.

وصف رسول اللَّه في هذه الأحاديث الأشهر الحرم وبينها؛ فدل ذلك على أن النسيء كان يحرم القتال فيها؛ على ما كان أهل الجاهلية يحرمونه، وزاد ذلك بيانًا يصيب أصحاب النسيء؛ إذ كانوا يستحلون القتال في المحرم، ويؤخرونه إلى صفر، فيحرمون صفرًا مكان المحرم، فعاب اللَّه عليهم تحليل ما حرم من الشهر، وجعله زيادة في الكفر، وقال: (يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ) أي: عدة الأشهر الأربعة التي حرمها اللَّه، وقال: (فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ).

ومنهم من قال: إن اللَّه جعل عدة الشهور اثني عشر شهرًا بالأهلة على ما عرفته العرب لما وفقوا إلى معرفة ذلك، ولم يوفق غيرهم، وإنَّمَا يعدون السنة بالأيام، والعرب تعرفها بالأهلة على ما خلقها اللَّه يوم خلق السماوات والأرض (مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ).

قَالَ بَعْضُهُمْ: في الأشهر كلها لما جعل هذه الأشهر شهودًا عليهم، يشهدون بما يعملون فيها من المعاصي والخيرات، وبها تنقضي آجالهم؛ يخبر ألا تظلموا في هذه الأشهر التي تأتي لكم بكل خير، وبكل نعمة، فإنها تنصرف بما تعملون فيها من الخير والشر.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: قوله: (فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ).

أي: في الأربعة الحرم، خص الأربعة وإن كان الظلم في الأشهر كلها لا يحل على ما خص مكة بترك الظلم، وإن كان الظلم حرامًا في الأماكن كلها؛ كقوله: (سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ. . .) الآية، أي: لا تقاتلوا فيها؛ إذ كل ظلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ).

قيل: ذلك الحساب حساب الأشهر قيم، أي: صحيح مستقيم على ما خلقه اللَّه.

<<  <  ج: ص:  >  >>