ولم يوجب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - على التي ضربت ضرتها به فقتلتها القصاصَ؛ فذلك حجة لأبي حنيفة - رضي اللَّه عنه - في قوله: إن الخشبة العظيمة والصغيرة سواء، ولا قصاص فيه، والأخبار فيه كثيرة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ أيضا -: (وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ) ذكر - واللَّه أعلم - مسلمة إلى أهله؛ على الحث والترغيب في التسليم، والنهي عن التعاسر الذي عنه توهم حدوث الشر والفساد الذي يوقع مثله جعل العوض في قتل الخطأ، وعلى ذلك قوله:(فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ)، وقد بينا من يسلم، ثم بين التسليم إلى أهل القتيل، ولم يبين مَنْ أهله؟ وقد أجمع السلفُ على أن أهله: ورثته، والأصل في ذلك: أن الدية جُعلت بدلا لنفس القتيل؛ فتصير متروكة عنه، وعلى ذلك لو كانت منه الوصايا أو عليه دين ينفذ منها، فصارت فيما قال اللَّه - تعالى -: (وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ. . .)، الآيات التي فيها بيان من يرث من بعد الوصية والدَّين، فذلك لهم؛ فيصير أهله بعد وفاته من ينتفع بتركته؛ إذ كذلك وصف الأهل في الحياة أنه يرجع إلى المتصلين به، وبمنافعه مع ما كان اسم الأهل في الزوجة غير ممتنع استعماله على كل حال؛ فيجب دخولها في ذلك، وغيرها من الورثة أحق، وقد روي في مثل ذلك مرفوعًا في توريث امرأة أَشْيَم الضَّبَّابي، وعمل به عمر بحضرة الصحابة - رضوان الله عليهم أجمعين - والذين لهم سائر الولايات سوى ولاية الميراث مع ولاية الميراث أحق، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا) فالثنيا من الدية؛ لأنه لا حق لأحد في العتق حتى يحتمل التصدق، وهو كقوله - تعالى - في القصاص:(فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ)، وذكر التصدق على ما عليه الترغيب في الديون من قوله:(وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ).
ثم الأصل: أن التصدق من المعروف إلى ذوي الحاجات، والعقل إنما وضع أصله على الأغنياء، لكن يخرج على وجهين:
أحدهما: أن الآية جاءت بذكر القاتل، ووجود الدية المسلمة كلها لكل قاتل عسير؛ فكان الترغيب على ذلك.