(بَابُ أَحْكَامِ الْحَقِيقَةِ) (وَالْمَجَازِ وَالصَّرِيحِ) (وَالْكِنَايَةِ)
قَالَ حُكْمُ الْحَقِيقَةِ وُجُودُ مَا وُضِعَ لَهُ أَمْرًا كَانَ أَوْ نَهْيًا خَاصًّا أَوْ عَامًّا وَحُكْمُ الْمَجَازِ وُجُودُ مَا اُسْتُعِيرَ لَهُ خَاصًّا كَانَ أَوْ عَامًّا وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ الْحَقِيقَةِ التَّوْقِيفُ وَالسَّمَاعُ بِمَنْزِلَةِ النُّصُوصِ
ــ
[كشف الأسرار]
وَالْقَبْرُ لَيْسَ بِحِرْزٍ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ دُفِنَ فِيهِ ثَوْبٌ آخَرُ مِنْ جِنْسِ الْكَفَنِ فَسُرِقَ لَا يَجِبُ الْقَطْعُ وَمَا كَانَ حِرْزًا لِشَيْءٍ كَانَ حِرْزًا لِجِنْسِهِ لَا مَحَالَةَ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الصِّيَانَةِ لَا يَخْتَلِفُ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَحَظِيرَةِ الْغَنَمِ وَلَا يَصِيرُ حِرْزًا بِالْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ جَمَادٌ لَا يُحَرِّزُ نَفْسَهُ فَكَيْفَ يُحَرِّزُ غَيْرَهُ وَإِنَّمَا يُحْفَرُ الْقَبْرُ حِرْزًا لِلْمَيِّتِ عَنْ السِّبَاعِ وَإِخْفَاءً لَهُ عَنْ الْأَعْيُنِ لَا إحْرَازًا لِلْكَفَنِ وَلَا يُقَالُ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ إحْرَازًا كَانَ التَّكْفِينُ تَضْيِيعًا وَلِأَنَّا نَقُولُ لَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ مَصْرُوفٌ إلَى حَاجَةِ الْمَيِّتِ وَصَرْفُ الشَّيْءِ إلَى الْحَاجَةِ لَا يَكُونُ تَضْيِيعًا وَلَا إحْرَازًا كَتَنَاوُلِ الطَّعَامِ وَإِلْقَاءِ الْبَذْرِ فِي الْأَرْضِ (فَإِنْ قِيلَ) يَجُوزُ أَنْ لَا يَكُونَ حِرْزًا عِنْدَ الِانْفِرَادِ وَيَصِيرُ حِرْزًا عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ كَالْحِيطَانِ لَيْسَتْ بِحِرْزٍ بِدُونِ الْبَابِ وَكَذَا الْبَابُ بِدُونِهَا عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ يَصِيرُ حِرْزًا.
(قُلْنَا) نَعَمْ إذَا حَدَثَ بِالِاجْتِمَاعِ مَعْنًى يَصْلُحُ لِإِضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهِ كَمَا فِي الْحِيطَانِ مَعَ الْبَابِ يَصْلُحُ بَعْدَ الِاجْتِمَاعِ لِحِفْظِ الْأَمْتِعَةِ لِصَيْرُورَتِهَا بَيْتًا صَالِحًا لِلْحِفْظِ فَأَمَّا الِاجْتِمَاعُ هَهُنَا فَلَا يَصِيرُ هَذَا الْمَكَانُ مَوْضِعًا لِحِفْظِ الثِّيَابِ وَالْأَمْتِعَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُحْفَظُ فِيهِ مَا سِوَى الْكَفَنِ مِنْ الثِّيَابِ وَلَوْ صَارَ حِرْزًا لِلْكَفَنِ بَعْدَ الِاجْتِمَاعِ لَصَارَ حِرْزًا لِجِنْسِهِ مِنْ الثِّيَابِ. وَأَمَّا مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَطَعَ نَبَّاشًا» فَمُعَارَضٌ بِمَا رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ «لَا قَطْعَ فِي الْمُخْتَفِي» وَهُوَ النَّبَّاشُ بِلُغَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ كَذَا فَسَّرَ أَبُو عُبَيْدٍ وَفِي الصِّحَاحِ اخْتَفَيْت الشَّيْءَ أَسْتَخْرَجْته وَالْمُخْتَفِي وَالنَّبَّاشُ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَخْرِجُ الْأَكْفَانَ فَيُحْمَلُ عَلَى السِّيَاسِيَّةِ وَكَذَا حَدِيثُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّ لِلْإِمَامِ ذَلِكَ، أَلَا تَرَى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَطَعَ أَيْدِي نِسْوَةٍ أَظْهَرْنَ الشَّمَاتَةَ بِوَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَضَرَبْنَ الدُّفُوفَ وَكَانَ ذَلِكَ سِيَاسَةً لَا حَدًّا وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَمَحْمُولٌ عَلَى التَّشْبِيهِ فِي اسْتِحْقَاقِ الِاسْمِ؛ لِأَنَّ كَافَ التَّشْبِيهِ لَا يُوجِبُ التَّعْمِيمَ وَرَوَى مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ أَنَّ نَبَّاشًا أُخِذَ فِي زَمَنِ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ فَشَاوَرَ مَنْ بَقِيَ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَأَجْمَعُوا أَنْ لَا قَطْعَ عَلَيْهِ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى الْقَطْعَ عَلَى النَّبَّاشِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[بَابُ أَحْكَامِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ وَالصَّرِيحِ وَالْكِنَايَةِ]
[تعارض الْحَقِيقَة وَالْمَجَاز]
(بَابُ أَحْكَامِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ)
قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الزَّاهِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حُكْمُ الْحَقِيقَةِ وُجُودُ مَا وُضِعَ لَهُ أَيْ ثُبُوتُ مَا وُضِعَ اللَّفْظُ أَمْرًا كَانَ أَوْ نَهْيًا خَاصًّا كَانَ أَوْ عَامًّا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: ٧٧] .
وَقَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ} [الأنعام: ١٥١] فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ النَّصَّيْنِ خَاصٌّ فِي الْمَأْمُورِ بِهِ وَالْمَنْهِيِّ عَنْهُ عَامٌّ فِي الْمَأْمُورِ وَالْمَنْهِيِّ وَهَذَا بِلَا خِلَافٍ وَحُكْمُ الْمَجَازِ وُجُودُ مَا اُسْتُعِيرَ لَهُ أَيْ ثُبُوتُ مَا اُسْتُعِيرَ اللَّفْظُ لَهُ خَاصًّا كَانَ أَوْ عَامًّا عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [النساء: ٤٣] {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} [يوسف: ٣٦] وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا تُتْبِعُوا الدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمَيْنِ وَلَا الصَّاعَ بِالصَّاعَيْنِ» وَفِيهِ خِلَافُ بَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَسَنُبَيِّنُهُ وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ الْحَقِيقَةِ التَّوْقِيفُ أَيْ التَّنْصِيصُ مِنْ الْوَاضِعِ وَالسَّمَاعُ مِنْ السَّامِعِ يَعْنِي لَا يُوقَفُ عَلَيْهَا إلَّا بِالنَّقْلِ عَنْ وَاضِعِ اللُّغَةِ بِمَنْزِلَةِ النُّصُوصِ فِي الشَّرْعِ فَإِنَّهَا لَا تَثْبُتُ حُجَجًا إلَّا بَعْدَ السَّمَاعِ مِنْ صَاحِبِ الشَّرْعِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute