(بَابُ الْقِيَاسِ) (وَالِاسْتِحْسَانِ)
قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى وَجْهَيْنِ أَمَّا أَحَدُ نَوْعَيْ الْقِيَاسِ فَمَا ضَعُفَ أَثَرُهُ
ــ
[كشف الأسرار]
[بَابُ الِاسْتِحْسَانِ]
(بَابُ بَيَانِ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ) :
الِاسْتِحْسَانُ فِي اللُّغَةِ اسْتِفْعَالٌ مِنْ الْحُسْنِ، وَهُوَ عَدُّ الشَّيْءِ وَاعْتِقَادُهُ حَسَنًا تَقُولُ اسْتَحْسَنْت كَذَا أَيْ اعْتَقَدْته حَسَنًا، وَفِي الِاصْطِلَاحِ مَا سَنُبَيِّنُهُ. قَوْلُهُ: (وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى نَوْعَيْنِ) وَلَمَّا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ حُجَّةً بِاعْتِبَارِ الْأَثَرِ، وَالْأَثَرُ قَدْ يَكُونُ قَوِيًّا وَغَيْرَ قَوِيٍّ صَارَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى وَجْهَيْنِ بِاعْتِبَارِ ضَعْفِ الْأَثَرِ، وَقُوَّتِهِ. وَهَذِهِ تَقْسِيمُ الْقِيَاسِ الَّذِي قَابَلَهُ اسْتِحْسَانٌ مَعْنَوِيٌّ وَتَقْسِيمُ هَذَا الِاسْتِحْسَانِ الْمُعَارِضِ لَا تَقْسِيمُ نَفْسِ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِمَا فَإِنَّ الْقِيَاسَ الْخَالِيَ عَنْ مُعَارَضَةِ الِاسْتِحْسَانِ خَارِجٌ عَنْ هَذَا التَّقْسِيمِ.
وَكَذَا الِاسْتِحْسَانُ الثَّابِتُ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ وَالضَّرُورَةِ خَارِجٌ عَنْهُ أَيْضًا فَكَانَ مَعْنَاهُ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مُقَابَلَةِ الْآخَرِ عَلَى وَجْهَيْنِ فَمَا ضَعُفَ أَثَرُهُ أَيْ بِالنِّسْبَةِ إلَى قُوَّةِ أَثَرِ مُقَابِلِهِ، وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ. وَالثَّانِي مَا ظَهَرَ فَسَادُهُ أَيْ ضَعْفُهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا ضَعُفَ بِمُقَابَلَةِ الْآخَرِ فَسَدَ.
وَالْمُرَادُ فِي الضَّعْفِ وَالْفَسَادِ هَاهُنَا وَاحِدٌ. وَاسْتَتَرَتْ صِحَّتُهُ، وَأَثَرُهُ أَيْ انْضَمَّ إلَيْهِ مَعْنًى خَفِيٌّ هُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي الْحُكْمِ فِي التَّحْقِيقِ فَانْدَفَعَ بِهِ فَسَادُ ظَاهِرِهِ وَصَارَ رَاجِحًا عَلَى مُقَابِلِهِ، وَنَوْعَا الِاسْتِحْسَانِ عَلَى عَكْسِ نَوْعَيْ الْقِيَاسِ كَمَا ذَكَرَ.
فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ النَّوْعُ الثَّانِي مِنْ الْقِيَاسِ اسْتِحْسَانًا لِخَفَاءِ أَثَرِهِ وَالنَّوْعُ الثَّانِي مِنْ الِاسْتِحْسَانِ قِيَاسًا لِظُهُورِ أَثَرِهِ فَإِنَّ الِاسْتِحْسَانَ هُوَ الْقِيَاسُ الْخَفِيُّ لَا الظَّاهِرُ قُلْنَا ظُهُورُ أَثَرِ الِاسْتِحْسَانِ بِالنِّسْبَةِ إلَى خَفَاءِ فَسَادِهِ، وَلَكِنَّهُ خَفِيٌّ بِالنِّسْبَةِ إلَى وَجْهِ الْقِيَاسِ الَّذِي ظَهَرَ فَسَادُهُ كَمَا فِي سَائِرِ صُوَرِ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ أَلَا تَرَى أَنَّ وَجْهَ الِاسْتِحْسَانِ فِي مَسْأَلَةِ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ أَخْفَى، وَأَقْوَى مِنْ وَجْهِ الْقِيَاسِ بِالنَّظَرِ إلَى نَفْسِهِمَا إلَّا أَنَّهُ انْضَمَّ إلَى وَجْهِ الْقِيَاسِ مَعْنًى أَدَقُّ مِنْ وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ فَقَوِيَ بِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute