وَالتَّعَدِّيَةُ بِمِثْلِهِ فِي الْحُدُودِ خَاصَّةً بَاطِلٌ وَأَمَّا الطِّرَارُ فَقَدْ اخْتَصَّ بِهِ لِفَضْلٍ فِي جِنَايَتِهِ وَحِذْقٍ فِي فِعْلِهِ؛ لِأَنَّ الطَّرَّ اسْمٌ لِقَطْعِ الشَّيْءِ عَنْ الْيَقْظَانِ بِضَرْبِ فَتْرَةٍ وَغَفْلَةٍ يَعْتَرِيهِ وَهَذِهِ الْمُسَارَقَةُ فِي غَايَةِ الْكَمَالِ وَتَعَدِّيَةُ الْحُدُودِ فِي مِثْلِهِ فِي نِهَايَةِ الصِّحَّةِ وَالِاسْتِقَامَةِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ أَحْكَامِ سَائِرِ الْأَقْسَامِ فِي هَذَا الْفَصْلِ.
ــ
[كشف الأسرار]
عَلَيْهِ وَمِنْهُ اسْتِرَاقُ السَّمْعِ لِاسْتِمَاعِ كَلَامِ الْغَيْرِ حَالَ غَفْلَتِهِ وَيُقَالُ فُلَانٌ يُسَارِقُ النَّظَرَ إلَيْهِ إذَا اغْتَنَمَ غَفْلَتَهُ وَاحْتَالَ لِيَنْظُرَ إلَيْهِ وَالنَّبَّاشُ يُسَارِقُ عَيْنَ مَنْ عَسَى يَهْجُمُ عَلَيْهِ مِمَّنْ لَيْسَ بِحَافِظٍ لِلْكَفَنِ وَلَا قَاصِدٍ إلَى حِفْظِهِ مِنْ الْمَارَّةِ لِئَلَّا يَطَّلِعُوا عَلَى جِنَايَتِهِ؛ لِأَنَّهُ يُرْتَكَبُ مُنْكَرًا كَالزَّانِي وَشَارِبِ الْخَمْرِ يَخْتَفِي مِنْ النَّاسِ كَيْ لَا يَعْثُرُوا عَلَى قُبْحِ فِعْلِهِ وَالسَّرِقَةُ أَخْذٌ عَلَى سَبِيلِ الْمُسَارَقَةِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ أَخْذِ مَا أُحْرِزَ عَنْ الْأَيْدِي لَا لِيَتَمَكَّنَ مِنْ فَاحِشَةٍ تَرِدُ شَرْعًا فَكَانَ النَّبَّاشُ سَارِقًا صُورَةً لَا مَعْنًى فَالْمَيِّتُ إنْسَانٌ صُورَةً لَا مَعْنًى، وَلِهَذَا يَصِحُّ نَفْيُهُ عَنْهُ فَيُقَالُ نَبَشَ وَمَا سَرَقَ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ التَّبَعِ مِنْ الْمَتْبُوعِ لِكَوْنِ الْأَوَّلِ أَقْوَى فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ مُطْلَقِ اسْمِ السَّارِقِ وَالثَّانِي أَنَّ هَذَا الِاسْمَ وَهُوَ السَّرِقَةُ تَدُلُّ عَلَى خَطَرٍ لِمَأْخُوذٍ أَيْ عَلَى أَنَّهُ ذُو قَدْرٍ وَمَنْزِلَةٍ فَإِنَّ السَّرِقَةَ قِطْعَةٌ مِنْ الْحَرِيرِ «قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِبَعْضِ نِسَائِهِ أُرِيت صُورَتَك فِي سَرِقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ» أَيْ فِي قِطْعَةٍ مِنْ حَرِيرٍ جَيِّدَةٍ بَيْضَاءَ.
كَذَا فَسَّرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَلِذَلِكَ اتَّفَقَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى اشْتِرَاطِ النِّصَابِ فِيهِ لِيَخْرُجَ عَنْ كَوْنِهِ تَافِهًا حَقِيرًا وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِهِ وَهَذَا الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ اسْمُ النَّبَّاشِ وَهُوَ النَّبْشُ فِي غَايَةِ الْقُصُورِ وَالْهَوَانِ؛ لِأَنَّ نَبْشَ التُّرَابِ وَأَخْذَ الْكَفَنِ مِنْ الْأَمْوَاتِ مِنْ أَرْذَلِ الْأَفْعَالِ وَأَرْدَأِ الْخِصَالِ بِشَهَادَةِ الْعُرْفِ وَالطَّبْعِ السَّلِيمِ وَالتَّعْدِيَةُ بِمِثْلِهِ أَيْ تَعْدِيَةُ الْحُكْمِ فِي مِثْلِ مَا ذَكَرْنَا وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الْمَعْنَى الْمُوجِبُ فِي الْفَرْعِ دُونَهُ فِي الْأَصْلِ بَاطِلًا لَا سِيَّمَا فِي الْحُدُودِ فَإِنَّهَا تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ فَكَيْفَ يُحْتَالُ فِي إثْبَاتِهَا بِمَا لَا يَجُوزُ إثْبَاتُ الْحُكْمِ بِمِثْلِهِ وَتَبَيَّنَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ اخْتِصَاصَ النَّبَّاشِ بِهَذَا الِاسْمِ لِنُقْصَانٍ فِي فِعْلِهِ وَهُوَ أَنَّ بِخِلَافِ الطَّرَّارِ فَإِنَّ اخْتِصَاصَهُ بِاسْمٍ آخَرَ غَيْرِ السَّارِقِ لِفَضْلٍ فِي جِنَايَتِهِ وَحَذَاقَةٍ فِي فِعْلِهِ أَيْ مَهَارَةٍ؛ لِأَنَّهُ يُسَارِقُ الْأَعْيُنَ الَّتِي تَرَصَّدَتْ لِلْحِفْظِ مَعَ الِانْتِبَاهِ وَالْحُضُورِ فَكَانَ فَوْقَ مُسَارَقَةِ الْأَعْيُنِ حَالَ نَوْمِ الْمَالِكِ وَغَيْبَتِهِ فَكَانَ أَتَمَّ سَرِقَةً وَأَكْمَلَ حِيلَةً فَيَكُونُ دَاخِلًا تَحْتَ اسْمِ السَّارِقِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى إلَّا أَنَّهُ خَفِيَ مُرَادًا بِالْآيَةِ تَعَارُضٌ وَهُوَ زِيَادَةُ حِيلَةٍ مِنْ قِبَلِ الطَّرَّارِ لَا لِمَعْنًى فِي الْكَلَامِ، كَذَا ذَكَرَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التَّقْوِيمِ وَقَوْلُهُ (وَتَعْدِيَةُ الْحُدُودِ فِي مِثْلِهِ) أَيْ فِي مِثْلِ مَا ذَكَرْنَا وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الْمَعْنَى الْمُوجِبُ فِي الْفَرْعِ أَكْمَلَ وَأَتَمَّ نَوْعُ تَسَامُحٍ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ قَبِيلِ دَلَالَةِ النَّصِّ وَالتَّعْدِيَةُ تُسْتَعْمَلُ فِي الْقِيَاسِ إلَّا أَنَّهُ سَمَّاهَا تَعْدِيَةً لِشَبَهِ دَلَالَةِ النَّصِّ بِالْقِيَاسِ وَإِخْرَاجًا لِلْكَلَامِ عَلَى مُقَابَلَةِ كَلَامِ الْخَصْمِ.
وَأَمَّا بَيَانُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ نُقْصَانِ الْمِلْكِ فَهُوَ أَنَّ الْكَفَنَ لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ لِلْوَارِثِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَمَلَّكَ مَا فَضَلَ عَنْ حَاجَةِ الْمَيِّتِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَدْرَ الْمَشْغُولَ بِالدَّيْنِ لَا يَصِيرُ مَمْلُوكًا لَهُ لِحَاجَةِ الْمَيِّتِ فَالْكَفَنُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الدَّيْنِ وَلَا لِلْمَيِّتِ حَقِيقَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ يُنَافِي الْمِلْكِيَّةَ؛ لِأَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ الْقُدْرَةِ وَالِاسْتِيلَاءِ وَأَدْنَى دَرَجَاتِهَا الْحَيَاةُ وَقَدْ زَالَتْ وَأَمَّا نُقْصَانُ الْمَالِيَّةِ فَلِأَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ التَّمَوُّلِ وَالِادِّخَارِ لِوَقْتِ الْحَاجَةِ وَهَذَا الْمَقْصُودُ يَفُوتُ فِي الْكَفَنِ فَإِنَّهُ مَعَ الْمَيِّتِ يُوضَعُ فِي الْقَبْرِ لِلْبِلَى، وَلِهَذَا يُوضَعُ فِي أَقْرَبِ الْأَمَاكِنِ مِنْ الْبِلَى وَإِلَيْهِ أَشَارَ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِقَوْلِهِ اغْسِلُوا ثَوْبَيْ هَذَيْنِ وَكَفِّنُونِي فِيهِمَا فَإِنَّهُمَا لِلْمُهْلِ وَالصَّدِيدِ وَالْحَيُّ أَحْوَجُ إلَى الْجَدِيدِ فَكَانَتْ مَالِيَّةُ الْكَفَنِ وَقَدْ سُلِّمَ لِلتَّلَفِ دُونَ مَالِيَّةِ مَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ وَأَمَّا النُّقْصَانُ فِي الْحِرْزِ فَلِأَنَّهُ لَا يَخْلُوا إمَّا أَنْ يُجْعَلَ الْقَبْرُ حِرْزًا بِنَفْسِهِ أَوْ بِالْمَيِّتِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute