. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[كشف الأسرار]
فِي ظَاهِرِ الرَّاوِيَةِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - يَقَعُ ثُمَّ اخْتَلَفَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ فَقَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهُ إنَّمَا يُقْطَعُ إذَا سَرَقَ الْكَفَنَ مِنْ قَبْرٍ فِي بَيْتٍ مُحَرَّزٍ أَوْ فِي مَقْبَرَةٍ مُتَّصِلَةٍ بِالْعُمْرَانِ وَلَا يُقْطَعُ إذَا كَانَ الْقَبْرُ فِي بَرِّيَّةٍ بَعِيدَةٍ مِنْ الْعُمْرَانِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْغَزَالِيِّ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يُقْطَعُ وَإِنْ كَانَ الْقَبْرُ فِي مَفَازَةٍ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَفَّالِ وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي الْمَبْسُوطِ وَاخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا فِيمَا إذَا كَانَ الْقَبْرُ فِي بَيْتٍ مُقْفَلٍ وَالْأَصَحُّ عِنْدِي أَنْ لَا يَجِبَ الْقَطْعُ سَوَاءٌ نَبَشَ الْكَفَنَ أَوْ سَرَقَ مَالًا آخَرَ مِنْ ذَلِكَ الْبَيْتِ لِأَنَّ بِوَضْعِ الْقَبْرِ فِيهِ اخْتَلَّ صِفَةُ الْحِرْزِيَّةِ فِي ذَلِكَ الْبَيْتِ فَإِنَّ لِكُلِّ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ تَأْوِيلًا فِي الدُّخُولِ فِيهِ لِزِيَارَةِ الْقَبْرِ فَلَا يَجِبُ الْقَطْعُ عَلَى مَنْ سَرَقَ مِنْهُ شَيْئًا؛ لِأَنَّ صِفَةَ الْكَمَالِ فِي شَرَائِطِ الْقَطْعِ مُعْتَبَرَةٌ ثُمَّ مِنْ أَوَجَبَ الْقَطْعِ تَمَسَّكَ بِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} [المائدة: ٣٨] وَالْآيَةَ وَقَالَ النَّبَّاشُ سَارِقٌ؛ لِأَنَّ السَّارِقَ اسْمٌ لِمَنْ يَأْخُذُ الْمَالَ عَلَى سَبِيلِ الْخُفْيَةِ وَهُوَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَاخْتِصَاصُهُ بِاسْمٍ آخَرَ لَا يَمْنَعُ دُخُولَهُ تَحْتَ اسْمِ السَّارِقِ؛ لِأَنَّهُ اخْتَصَّ بِهَذَا الِاسْمِ لِاخْتِصَاصِهِ بِنَوْعٍ مِنْ السَّرِقَةِ فَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ عَنْ الدُّخُولِ تَحْتَ اسْمِ الْجِنْسِ كَاخْتِصَاصِ مَنْ يُقْطَعُ عَنْ الْيَقْظَانِ بِاسْمِ الطَّرَّارِ وَكَاخْتِصَاصِ الْآدَمِيِّ بِاسْمِ الْإِنْسَانِ لَا يَمْنَعُهُ عَنْ الدُّخُولِ تَحْتَ اسْمِ الْحَيَوَانِ.
وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ قَطَعَ نَبَّاشًا» وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ سَارِقُ أَمْوَاتِنَا كَسَارِقِ أَحْيَائِنَا وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَتَبَ إلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي النَّبَّاشِ فَكَتَبَ إلَيْهِ أَنْ اقْطَعْهُ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ سَرَقَ نِصَابًا كَامِلًا مِنْ حِرْزِ مِثْلِهِ فَيُقْطَعُ كَمَا لَوْ سَرَقَ لِبَاسَ الْحَيِّ وَكَمَا لَوْ سَرَقَ الشَّاةَ مِنْ الْحَظِيرَةِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْكَفَنَ مَالٌ كَامِلٌ؛ لِأَنَّ صِفَةَ الْمَالِيَّةِ لَا يَتَغَيَّرُ بِأَنْ أُلْبِسَ مَيِّتًا؛ لِأَنَّهُ بَعْدُ صَالِحٌ لِإِقَامَةِ الْمَصَالِحِ وَالْقَبْرُ حِرْزٌ مِثْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُحَرَّزُ بِأَحْصَنَ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَالنَّاسُ تَعَارَفُوا إحْرَازَ الْأَكْفَانِ بِالْقُبُورِ فَكَانَ حِرْزًا مُتَعَيِّنًا لَهُ بِاتِّفَاقِ جَمِيعِ النَّاسِ كَالْحَظِيرِ لِلْغَنَمِ وَالصُّنْدُوقِ لِلدَّرَاهِمِ. وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ سَرَقَ مِنْ الْقَبْرِ شَيْئًا آخَرَ وُضِعَ مَعَهُ أَوْ كَفَنَ الْمَيِّتِ زِيَادَةً عَلَى الْعَدَدِ الْمَسْنُونِ فَسَرَقَ الزَّائِدَ حَيْثُ لَا يُقْطَعُ؛ لِأَنَّ الْقَبْرَ لَيْسَ بِحِرْزٍ لِمَالٍ آخَرَ غَيْرَ الْكَفَنِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ مَا اعْتَادُوا حِفْظَ سَائِرِ الْأَشْيَاءِ بِالْقُبُورِ كَحَظِيرَةِ الْغَنَمِ حِرْزٌ لِلْغَنَمِ وَلَيْسَتْ بِحِرْزٍ لِلثِّيَابِ وَالْأَمْتِعَةِ وَكَذَا الزَّائِدُ عَلَى الْعَدَدِ الْمَسْنُون بِمَنْزِلَةِ مَالٍ آخَرَ مَوْضُوعٌ فِي الْقَبْرِ وَأَلَا تَرَى أَنَّ الْأَبَ وَالْوَصِيَّ لَوْ كَفَّنَا الصَّبِيَّ أَوْ عَبْدَ الصَّبِيِّ مَنْ مَالِ الصَّبِيِّ بِالْعَدَدِ الْمَسْنُونِ لَا يُعَدُّ تَضْيِيعًا وَلَا يَضْمَنَانِ شَيْئًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إحْرَازٌ مِنْهُمَا لِمَالِهِ وَلَوْ كَفَّنَاهُ زِيَادَةً عَلَى الْعَدَدِ الْمَسْنُونِ يَضْمَنَانِ الزِّيَادَةَ؛ لِأَنَّهُ تَضْيِيعٌ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ نَاقِصٌ فِي كَوْنِهِ سَرِقَةً وَالْمِلْكُ نَاقِصٌ وَالْمَالِيَّةُ نَاقِصَةٌ وَالْحِرْزُ نَاقِصٌ أَوْ مَعْدُومٌ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا يَمْنَعُ الْقَطْعَ لِمَا عُرِفَ أَنَّ شَرْطَ السَّرِقَةِ أَنْ يَكُونَ الْمَأْخُوذُ مَالًا مَمْلُوكًا مُحْرَزًا وَأَنَّ الْكَمَالَ فِيهَا شَرْطٌ كَيْ لَا تَبْقَى شُبْهَةُ الْعَدَمِ فَمَجْمُوعُهَا أَوْلَى.
أَمَّا بَيَانُ قُصُورِ الْفِعْلِ وَنُقْصَانِهِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ عَلَى مَا ذَكَرَ الشَّيْخُ فِي الْكِتَابِ وَأَحَدُهُمَا أَنَّ النَّبَّاشَ لَيْسَ بِسَارِقٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَلِأَنَّ السَّرِقَةَ اسْمٌ لِأَخْذِ الْمَالِ عَلَى وَجْهِ الْمُسَارَقَةِ أَيْ الْإِخْفَاءِ عَنْ عَيْنِ الْحَافِظِ الَّذِي قَصَدَ حِفْظَهُ لَكِنَّهُ انْقَطَعَ حِفْظُهُ بِاعْتِرَاضِ نَوْمٍ أَوْ غَيْبَةٍ بِحَيْثُ يَخَافُ هُجُومَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute