وَهَذَا قَوِيُّ الْأَثَرِ؛ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ وَأَسْبَابِ الْكَرَامَةِ، وَالرِّقُّ مِنْ أَسْبَابِ تَنْصِيفِ الْحِلِّ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الرَّقِيقُ فِي النِّصْفِ مِثْلَ الْحُرِّ فِي الْكُلِّ فَإِمَّا أَنْ يَزْدَادَ أَثَرُ الرِّقِّ وَيَتَّسِعَ حِلُّهُ فَلَا، وَهَذَا أَثَرٌ ظَهَرَتْ قُوَّتُهُ وَيَزْدَادُ وُضُوحًا بِالتَّأَمُّلِ فِي أَحْوَالِ الْبَشَرِ أَلَا يَرَى أَنَّهُ حَلَّ لِرَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - التِّسْعُ أَوْ إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى لِفَضْلِهِ وَشَرَفِهِ فَأَمَّا مَا ذُكِرَ مِنْ الْأَثَرِ فَضَعِيفٌ بِحَقِيقَتِهِ؛ لِأَنَّ الْإِرْقَاقَ دُونَ التَّضْيِيعِ، وَذَلِكَ جَائِزٌ بِالْعَزْلِ بِإِذْنِ الْحُرَّةِ فَالْإِرْقَاقُ أَوْلَى.
وَضَعِيفٌ بِأَحْوَالِهِ فَإِنَّ نِكَاحَ الْأَمَةِ جَائِزٌ لِمَنْ يَمْلِكُ سُرِّيَّةً يَسْتَغْنِي بِهَا عَنْهُ
ــ
[كشف الأسرار]
لِأَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ فِي أَصْلِ الْحِلِّ لَا فِي الشُّرُوطِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَبْدَ فِي الثِّنْتَيْنِ مِثْلُ الْحُرِّ فِي الْأَرْبَعِ فِي اشْتِرَاطِ الشُّهُودِ وَوُجُوبِ الْمَهْرِ وَالْخُلُوِّ عَنْ عِدَّةِ الْغَيْرِ وَالْمَوْلَى عَلَى أَصْلِ الْخَصْمِ فَلَوْ كَانَ عَدَمُ الطَّوْلِ شَرْطًا لِجَوَازِ نِكَاحِ الْأَمَةِ فِي حَقِّ الْحُرِّ لَكَانَ شَرْطًا فِي حَقِّ الْعَبْدِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لِلرِّقِّ فِي إسْقَاطِ الشُّرُوطِ وَتَنْصِيفِهَا وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَتَّسِعَ الْحِلُّ الَّذِي يَثْبُتُ بِطَرِيقِ الْكَرَامَةِ بِالرِّقِّ الَّذِي هُوَ مِنْ أَوْصَافِ النُّقْصَانِ وَيَتَضَيَّقُ بِالْحُرِّيَّةِ الَّتِي هِيَ مِنْ أَوْصَافِ الْكَمَالِ وَأَسْبَابِ الْكَرَامَاتِ فَيَحِلُّ لِلْعَبْدِ تَزَوُّجُ الْأَمَةِ مَعَ طَوْلِ الْحُرَّةِ وَتَزَوُّجُ الْأَمَةِ عَلَى أَمَةٍ وَعَلَى حُرَّةٍ، وَلَا يَحِلُّ شَيْءٌ مِنْهُمَا لِلْحُرِّ، وَهَذَا عَكْسُ الْمَعْقُولِ وَنَقْضُ الْأُصُولِ.
وَهَذَا أَيْ مَا بَيَّنَّا أَنَّ الْحُرِّيَّةَ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ إلَى آخِرِهِ أَثَرٌ ظَهَرَتْ قُوَّتُهُ فِي نَفْسِهِ بِالنَّظَرِ إلَى الْأَصْلِ، وَازْدَادَ قُوَّةً وَوُضُوحًا بِالتَّأَمُّلِ فِي أَحْوَالِ الْبَشَرِ فَإِنَّ مَا يَثْبُتُ بِطَرِيقِ الْكَرَامَةِ فِي حَقِّ الْبَشَرِ ازْدَادَ بِزِيَادَةِ الشَّرَفِ حَتَّى إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا كَانَ أَشْرَفَ النَّاسِ أُبِيحَ لَهُ نِكَاحُ تِسْعِ نِسْوَةٍ أَوْ مَا لَا يَتَنَاهَى عَلَى مَا رَوَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «مَا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ حَتَّى أُبِيحَ لَهُ مِنْ النِّسَاءِ مَا شَاءَ» فَثَبَتَ أَنَّ زِيَادَةَ الْكَرَامَةِ تُوجِبُ زِيَادَةَ الْحِلِّ فَلَا يَجُوزُ الْقَوْلُ بِزِيَادَةِ حِلِّ الْعَبْدِ مَعَ نُقْصَانِ حَالِهِ عَلَى الْحُرِّ فَإِنْ قِيلَ نَحْنُ نُسَلِّمُ أَنَّ تَأْثِيرَ الرِّقِّ فِي الْمَنْعِ وَتَأْثِيرَ الْحُرِّيَّةِ فِي الْإِطْلَاقِ، وَلَكِنْ مَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى الْإِرْقَاقِ فَإِذَا أَدَّى حَرُمَ كَرَامَةً لَهُ لَا بِحِسَابِهِ كَمَا حَرُمَتْ الْمَجُوسِيَّةُ عَلَى الْمُسْلِمِ دُونَ الْكَافِرِ قُلْنَا نَحْنُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ إرْقَاقٌ، وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ إرْقَاقٌ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْإِرْقَاقَ بِهَذَا الطَّرِيقِ حَرَامٌ لِمَا سَنُبَيِّنُ فَأَمَّا مَا ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ مِنْ الْأَثَرِ وَهُوَ أَنَّ الْإِرْقَاقَ إهْلَاكٌ حُكْمًا فَضَعِيفٌ بِحَقِيقَتِهِ أَيْ فِي نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ إرْقَاقَ الْحُرِّ دُونَ التَّضْيِيعِ؛ لِأَنَّ بِالْإِرْقَاقِ يَفُوتُ صِفَةُ الْحُرِّيَّةِ لَا أَصْلُ الْوَلَدِ مَعَ أَنَّهُ أَمْرٌ يُرْجَى زَوَالُهُ بِالْعِتْقِ وَبِالتَّضْيِيعِ يَفُوتُ أَصْلُ الْوَلَدِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُرْجَى وُجُودُهُ ثُمَّ التَّضْيِيعُ بِالْعَزْلِ بِإِذْنِ الْحُرَّةِ وَبِنِكَاحِ الصَّبِيَّةِ وَالْعَجُوزِ وَالْعَقِيمِ مَعَ أَنَّهُ إتْلَافٌ حَقِيقَةً جَائِزٌ فَالْإِرْقَاقُ الَّذِي هُوَ إهْلَاكٌ حُكْمًا كَانَ أَوْلَى بِالْجَوَازِ فَإِنْ قِيلَ فِي الْعَزْلِ امْتِنَاعٌ مِنْ اكْتِسَابِ سَبَبِ الْوُجُودِ لَكِنْ إذَا أَرَادَ مُبَاشَرَةَ سَبَبِ الْوُجُودِ يَنْبَغِي أَنْ يُبَاشِرَ عَلَى وَجْهٍ لَا يُفْضِي إلَى الْإِهْلَاكِ لَا يُوصَفُ بِالرِّقِّ، وَلَا بِالْحُرِّيَّةِ إلَّا بِطَرِيقِ التَّبَعِ لِلْأَصْلِ فَإِذَا انْفَصَلَ لَمْ يُقْبَلْ صِفَةَ الرِّقِّ، وَلَا صِفَةَ الْحُرِّيَّةِ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ وَلَدًا بَعْدَ الِاخْتِلَاطِ بِمَائِهَا فَقَبْلَهُ لَهُ حُكْمُ الْعَدَمِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ أَحَدِ شَطْرَيْ الْعِلَّةِ، وَلَا حُكْمَ بِبَعْضِ الْعِلَّةِ قَبْلَ وُجُودِ الْبَاقِي، وَإِذَا اخْتَلَطَ تَرَجَّحَ مَاؤُهَا عَلَى مَائِهِ بِحُكْمِ الْحَضَانَةِ فَيَتَخَلَّقُ الْوَلَدُ مِنْ الْمَاءَيْنِ رَقِيقًا ابْتِدَاءً فَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ صِفَةُ الْحُرِّيَّةِ أَصْلًا فَلَمْ يَكُنْ هَذَا إرْقَاقَ الْحُرِّ، وَمَعْنَى الْعُقُوبَةِ وَالْإِهْلَاكِ فِي إرْقَاقِ الْحُرِّ.
وَضَعِيفٌ بِأَحْوَالِهِ أَيْ بِأَحْوَالِ الْأَثَرِ فَإِنَّ نِكَاحَ الْأَمَةِ جَائِزٌ لِمَنْ مَلَكَ سُرِّيَّةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ يَسْتَغْنِي بِهَا عَنْ نِكَاحِ الْأَمَةِ، وَإِرْقَاقِ الْجُزْءِ فَإِنَّهَا إذَا جَاءَتْ بِوَلَدٍ يَكُونُ حُرُّ الْأَصْلِ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ تَحْتَهُ أَمَةٌ ثُمَّ تَزَوَّجَ حُرَّةً فَإِنَّ نِكَاحَهَا لَا يَبْطُلُ، وَقَدْ اسْتَغْنَى عَنْ إرْقَاقِ الْوَلَدِ فَإِنَّ الرِّقَّ صِفَةُ الْوَلَدِ فَلَا يَحْدُثُ قَبْلَ وُجُودِهِ، وَإِنَّمَا يُوجَدُ بِالْوَطْءِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَحْرُمَ الْوَطْءُ، وَإِذَا حَرُمَ الْوَطْءُ يَبْطُلُ النِّكَاحُ، وَمَعَ هَذَا لَمْ يَبْطُلُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ وَصْفُ الْإِرْقَاقِ مُطَّرِدًا فِي إثْبَاتِ الْحُرْمَةِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ فَتَفْسُدُ الْعِلَّةُ بِفَوَاتِ الْإِطْرَادِ الَّذِي هُوَ شَرْطُ صِحَّتِهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute