للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي بَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ وَتَكَلَّمُوا فِيهِ بِالرَّأْيِ؛ لِأَنَّا وَجَدْنَا لِإِثْبَاتِهِ أَصْلًا وَهُوَ الصَّرْفُ وَوَجَدْنَا لِجَوَازِهِ بِدُونِهِ أَصْلًا وَهُوَ بَيْعُ سَائِرِ السِّلَعِ.

فَإِذَا وُجِدَ مِثْلُهُ فِي غَيْرِهِ صَحَّتْ التَّعْدِيَةُ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ ادَّعَى إيجَابَ التَّسْمِيَةِ فِي الذَّبِيحَةِ شَرْطًا بِالْقِيَاسِ لَمْ يَجِدْ لَهُ أَصْلًا وَمَنْ أَرَادَ إيجَابَ الصَّوْمِ فِي الِاعْتِكَافِ شَرْطًا بِالْقِيَاسِ لَمْ يَجِدْ لَهُ أَصْلًا أَيْضًا

ــ

[كشف الأسرار]

أُشِيرَ فِي الْكِتَابِ، وَفِي قَوْلِهِ يَثْبُتُ بِنَفْسِ الْبَيْعِ وَلَكِنْ يَتَرَاخَى اللُّزُومُ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ فَيَثْبُتُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ خِيَارُ الْمَجْلِسِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَا يَتَعَرَّفُ إثْبَاتَهُ وَلَا نَفْيَهُ بِالْقِيَاسِ فَرَجَعَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي إثْبَاتِهِ إلَى الْحَدِيثِ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» وَنَحْنُ أَثْبَتْنَا اللُّزُومَ بِنَفْسِ الْبَيْعِ بِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: ١] وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» وَقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْبَيْعُ صَفْقَةٌ أَوْ خِيَارٌ وَالصِّفَةُ عِنْدَ الْعَرَبِ عِبَارَةٌ عَنْ النَّافِذَةِ اللَّازِمَةِ وَالْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ لَمْ تَجْرِ الْمُحَاجَّةُ بِهِ بَيْنَ الصَّحَابَةِ بَعْدَمَا اخْتَلَفُوا فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ فَدَلَّ عَلَى زِيَافَتِهِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى خِيَارِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فَإِنَّهُ سَمَّاهُمَا مُتَبَايِعَيْنِ، وَذَلِكَ فِي حَالِ إقْدَامِهِمَا عَلَى الْبَيْعِ وَبَعْدَ الْفَرَاغِ يُسَمَّيَانِ بِهِ مَجَازًا لَا حَقِيقَةً وَلَا يَلْزَمُ اخْتِلَافُ النَّاسِ يَعْنِي لَا يَلْزَمُ عَلَى مَا قُلْنَا: إنَّ إثْبَاتَ الْحُكْمِ ابْتِدَاءً بِالرَّأْيِ لَا يَجُوزُ اخْتِلَافُ النَّاسِ فِي صَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ وَتَكَلُّمُهُمْ فِيهِ بِالرَّأْيِ وَهُوَ حُكْمٌ لَا مَدْخَلَ لِلرَّأْيِ فِيهِ.

وَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَخْتَلِفُوا جَوَابَ السُّؤَالِ يَعْنِي أَنَّهُمْ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّ الْأَيَّامَ مَحَالٌّ لِلصَّوْمِ بَلْ مَحَلِّيَّةُ الْأَيَّامِ لِلصَّوْمِ ثَابِتَةٌ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ مِنْ جُمْلَتِهَا فَيَكُونُ مَحَلًّا لِلصَّوْمِ بِالنَّظَرِ إلَى أَنَّهُ يَوْمٌ إنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي صِفَةِ حُكْمِ النَّهْيِ أَيْ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ النَّهْيَ يُوجِبُ الِانْتِهَاءَ عَلَى وَجْهٍ يَبْقَى فِيهِ اخْتِيَارٌ لِلْمَنْهِيِّ فَيَلْزَمُ مِنْهُ بَقَاءُ مَشْرُوعِيَّةِ الصَّوْمِ فِي هَذَا الْيَوْمِ أَمْ يُوجِبُهُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَبْقَى لَهُ فِيهِ اخْتِيَارٌ بِأَنْ صَارَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ مَنْسُوخًا بِالنَّهْيِ، وَلَمْ يَبْقَ مَشْرُوعًا أَصْلًا وَذَلِكَ لَا يَثْبُتُ بِالرَّأْيِ أَيْ حُكْمُ النَّهْيِ عَلَى الْوَصْفِ الَّذِي ذَكَرْنَا لَيْسَ بِثَابِتٍ بِالرَّأْيِ بَلْ بِالنَّصِّ وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦] وَقَالَ {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا} [هود: ٧] فَمُقْتَضَى هَذَيْنِ النَّصَّيْنِ أَنْ يَكُونَ مَا كُلِّفَ الْعَبْدُ وَابْتُلِيَ بِهِ دَاخِلًا تَحْتَ قُدْرَتِهِ وَاخْتِيَارِهِ وَالنَّهْيُ مِنْ بَابِ التَّكْلِيفِ فَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الِانْتِهَاءُ الْوَاجِبُ بِهِ أَمْرًا اخْتِيَارِيًّا لِيَكُونَ الْعَبْدُ بَيْنَ أَنْ يَنْتَهِيَ فَيُثَابَ وَبَيْنَ أَنْ يُبَاشِرَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ فَيُعَاقَبَ وَيَلْزَمُ مِنْهُ بَقَاءُ مَشْرُوعِيَّةِ الصَّوْمِ عَلَى مَا مَرَّ فِي بَابِ النَّهْيِ قَوْلُهُ (وَإِنَّمَا أَنْكَرْنَا هَذِهِ الْجُمْلَةَ) أَيْ إنَّمَا لَمْ نُجَوِّزْ اسْتِعْمَالَ الرَّأْيِ فِي هَذِهِ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ أَوْ فِي هَذِهِ الْأَمْثِلَةِ الْمَذْكُورَةِ إذَا لَمْ يُوجَدْ لَهُ أَيْ لِمَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِيهِ مِنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ فِي الشَّرِيعَةِ أَصْلٌ يَصِحُّ تَعْلِيلُ ذَلِكَ الْأَصْلِ وَتَعْدِيَةُ حُكْمِهِ إلَيْهِ فَأَمَّا إذَا وُجِدَ فَلَا بَأْسَ بِهِ أَيْ بِاسْتِعْمَالِ الرَّأْيِ فِيهِ وَإِثْبَاتِهِ بِالْقِيَاسِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي التَّقَابُضِ أَيْ فِي اشْتِرَاطِ قَبْضِ الْبَدَلَيْنِ لِبَقَاءِ الْعَقْدِ عَلَى الصِّحَّةِ فِي بَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ أَيْ بَيْعِ طَعَامٍ بِعَيْنِهِ بِطَعَامٍ بِعَيْنِهِ وَتَكَلَّمُوا فِيهِ بِالرَّأْيِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُشْتَرَطُ التَّقَابُضُ فِيهِ اتَّحَدَ الْجِنْسُ بِأَنْ بَاعَ قَفِيزَ حِنْطَةٍ بِقَفِيزِ حِنْطَةٍ أَوْ اخْتَلَفَ بِأَنْ بَاعَ كُرَّ حِنْطَةٍ بِكُرِّ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ؛ لِأَنَّهُمَا مَالَانِ يَجْرِي بَيْنَهُمَا رِبَا الْفَضْلِ فَيُشْتَرَطُ قَبْضُهُمَا فِي الْمَجْلِسِ لِبَقَاءِ الْعَقْدِ عَلَى الصِّحَّةِ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ.

وَقُلْنَا لَا يُشْتَرَطُ التَّقَابُضُ اتَّحَدَ الْجِنْسُ أَوْ اخْتَلَفَ؛ لِأَنَّهُمَا مَالَانِ عَيْنَانِ فَلَا يُشْتَرَطُ قَبْضُهُمَا فِي الْمَجْلِسِ لِبَقَاءِ الْعَقْدِ عَلَى الصِّحَّةِ كَمَا فِي بَيْعِ الثَّوْبِ بِالثَّوْبِ أَوْ بِالدَّرَاهِمِ، وَإِنَّمَا صَحَّ الْكَلَامُ فِيهِ بِالرَّأْيِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وُجِدَ لِإِثْبَاتِ اشْتِرَاطِ التَّقَابُضِ أَصْلٌ وَهُوَ عَقْدُ الصَّرْفِ وَوُجِدَ لِلْجَوَازِ بِدُونِ الْقَبْضِ أَصْلٌ أَيْضًا وَهُوَ بَيْعُ سَائِرِ السِّلَعِ فَاسْتَقَامَ تَعْلِيلُ كُلِّ أَصْلٍ لِتَعْدِيَةِ الْحُكْمِ بِهِ إلَى الْفَرْعِ. فَإِذَا وُجِدَ مِثْلُهُ فِي غَيْرِهِ أَيْ

<<  <  ج: ص:  >  >>