وَفِي كَيْفِيَّةِ حُكْمِ الْبَيْعِ أَنَّهُ ثَابِتٌ بِنَفْسِهِ أَمْ مُتَرَاخٍ إلَى قَطْعِ الْمَجْلِسِ وَلَا يَلْزَمُ اخْتِلَافُ النَّاسِ بِالرَّأْيِ فِي صَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّ الصَّوْمَ مَشْرُوعٌ فِي الْأَيَّامِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي صِفَةِ حُكْمِ النَّهْيِ وَذَلِكَ لَا يَثْبُتُ بِالرَّأْيِ، وَإِنَّمَا أَنْكَرْنَا هَذِهِ الْجُمْلَةَ إذَا لَمْ يُوجَدْ فِي الشَّرِيعَةِ أَصْلٌ يَصِحُّ تَعْلِيلُهُ فَأَمَّا إذَا وُجِدَ فَلَا بَأْسَ بِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي التَّقَابُضِ
ــ
[كشف الأسرار]
- رَحِمَهُ اللَّهُ - التَّقْدِيرُ إلَى الْمُتَعَاقِدَيْنِ؛ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّ الْعَبْدِ فَكَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ سَائِرِ الْأَعْرَاضِ وَلَا مَجَالَ لِلْقِيَاسِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ لِأَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ أَصْلٌ تَعَدَّى الْحُكْمُ مِنْهُ إلَى الْمُتَنَازَعِ فِيهِ فَيَتَكَلَّمُ فِيهِ بِالِاسْتِدْلَالِ مِنْ النَّصِّ أَوْ الْإِجْمَاعِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْمَهْرُ زَائِدٌ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ النِّكَاحُ فَإِنَّ الْمُنَاكَحَةَ تَقُومُ بِبَدَنِ الْمُتَنَاكِحَيْنِ فَكَانَ الرُّكْنُ فِي الْعَقْدِ ذِكْرَهُمَا لِيَتَحَقَّقَ مُوجِبُ اللَّفْظِ أَمَّا الْمَالُ فَأَمْرٌ زَائِدٌ، وَبِهَذَا صَحَّ الْعَقْدُ بِدُونِ التَّسْمِيَةِ وَمَعَ نَفْيِهَا فَكَانَ فِيهِ مَعْنَى الصِّلَةِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَثْبُتُ لِلزَّوْجِ عَلَيْهَا ضَرْبُ مِلْكٍ لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فِي جَانِبِهَا كَانَ فِيهِ مَعْنَى الْعِوَضِ فَلِكَوْنِهِ عِوَضًا إذَا شَرَطَ فِي الْعَقْدِ تَمَلُّكَ مِلْكِ الْأَعْوَاضِ وَإِذَا نَفَى أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ لَا يَجِبُ كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ وَلِكَوْنِهِ صِلَةً تَسْتَحِقُّ الْمَرْأَةُ مُطَالَبَةَ الْفَرْضِ كَالنَّفَقَةِ أَوْ يُقَالُ إذَا تَحَقَّقَ فِيهِ مَعْنَى الْعِوَضِ وَالصِّلَةِ فَلِكَوْنِهِ صِلَةً يَنْعَقِدُ أَصْلُ الْعَقْدِ بِدُونِ الْمَهْرِ وَلِكَوْنِهِ عِوَضًا لَا يَخْلُو عَنْهُ مِلْكُ الْبُضْعِ فَيَتَأَخَّرُ وُجُوبُهُ إلَى حِينِ الدُّخُولِ وَتَسْتَحِقُّ الْفَرْضَ لِئَلَّا يَخْلُوَ الْبُضْعُ عَنْهُ قَالَ وَهُوَ خَالِصُ حَقِّهَا؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ مُقَابِلًا بِالْبُضْعِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَهُ حُكْمُ الْإِجْزَاءِ أَوْ حُكْمُ الْمَنَافِعِ فَكَيْفَ مَا كَانَ هُوَ حَقُّهَا فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ بَدَلَهُ خَالِصُ حَقِّهَا، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهَا تَمْلِكُ الِاسْتِيفَاءَ وَالْإِبْرَاءَ وَلَوْ كَانَ فِيهِ حَقٌّ لِصَاحِبِ الشَّرْعِ لَمَا صَحَّ إسْقَاطُهَا أَصْلًا.
، وَنَحْنُ نَقُولُ حُكْمُ النِّكَاحِ ثُبُوتُ الْمِلْكِ بِالْإِجْمَاعِ، وَالِازْدِوَاجُ وَالسَّكَنُ مِنْ ثَمَرَاتِهِ وَهَذَا الْمِلْكُ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا بِمَالٍ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: ٢٤] فَكَانَ وُجُوبُهُ عَلَى سَبِيلِ الْمُعَاوَضَةِ دُونَ الصِّلَةِ ثُمَّ هَذَا الْمَالُ مَعَ كَوْنِهِ عِوَضًا يَثْبُتُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ عَلَى خِلَافِ سَائِرِ الْأَعْوَاضِ فَإِنَّ الْأَبَ يُزَوِّجُ ابْنَتَهُ مِنْ غَيْرِ مَهْرٍ وَيَجِبُ الْعِوَضُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ وُجُوبَ هَذَا الْمَالِ لِتَحْصِيلِ الْمِلْكِ الْمَشْرُوعِ فَإِذَا شَرَعَ فِي الْعَقْدِ وَحَصَلَ الْمِلْكُ وَجَبَ الْمَالُ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ وَصَارَ الْإِقْدَامُ عَلَى الْعَقْدِ تَحْصِيلًا لِلْمِلْكِ بِمَالٍ وَفِيهِ حَقُّ الشَّرْعِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمَحَلَّ الَّذِي وَرَدَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ مَحَلُّ النَّسْلِ وَلِلَّهِ تَعَالَى فِيهِ حَقٌّ مِنْ حَيْثُ الِاسْتِعْبَادُ فَظَهَرَ حَقُّ الشَّرْعِ فِي الْعَقْدِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ تَحْصِيلِ النَّسْلِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجْرِي فِيهِ الْبَذْلُ، وَالْإِبَاحَةُ وَلَا يَخْلُو التَّصَرُّفُ فِي هَذَا الْمَحَلِّ عَنْ حَدٍّ وَعَقْدٍ، وَإِنْ رَضِيَتْ بِهِ الْمَرْأَةُ وَلَوْ كَانَ الْبُضْعُ مَحْضَ حَقِّ الْمَرْأَةِ لِعَمَلِ رِضَاهَا فِي إسْقَاطِ الْوَاجِبِ إنْ لَمْ يَعْمَلْ فِي إبَاحَةِ الْفِعْلِ كَمَا فِي قَطْعِ الْأَطْرَافِ وَقَتْلِ النَّفْسِ لَا يَحِلُّ الْفِعْلُ بِالْإِبَاحَةِ وَلَكِنْ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ فِي الْأَطْرَافِ وَلَا الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ.
وَكَذَا إبَاحَةُ الْمَالِ إنْ كَانَتْ بِطَرِيقٍ مَشْرُوعٍ تَثْبُتُ الْإِبَاحَةُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَا تَثْبُتُ الْإِبَاحَةُ، وَلَكِنْ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ فَعَرَفْنَا أَنَّ حَقَّ الشَّرْعِ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَحَلِّ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ رِعَايَةِ حَقِّ الشَّرْعِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالسَّبَبِ مِنْ اعْتِبَارِ الْمَهْرِ وَالشُّهُودِ، وَإِنَّمَا شُرِعَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ إبَانَةً لِحَظْرِ الْمَحَلِّ وَصَوْنًا لَهُ عَنْ الْهَوَانِ فَأَمَّا الْبَقَاءُ فَلَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالسَّبَبِ فَعَمِلَ رِضَاهَا فِي الْإِسْقَاطِ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهَا عَلَى التَّمَحُّضِ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِنَا ظَهَرَ حَقُّ الشَّرْعِ فِيهِ وُجُوبًا وَالْبَقَاءُ حَقُّ الْمَرْأَةِ عَلَى التَّمَحُّضِ.
قَوْلُهُ (وَفِي كَيْفِيَّةِ حُكْمِ الْبَيْعِ) اخْتَلَفُوا فِي صِفَةِ حُكْمِ الْبَيْعِ وَهُوَ الْمِلْكُ أَنَّهُ ثَابِتٌ بِنَفْسِ الْبَيْعِ عَلَى صِفَةِ اللُّزُومِ أَمْ بِتَرَاخٍ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ فَعِنْدَنَا يَثْبُتُ بِنَفْسِ الْبَيْعِ لَازِمًا فَلَا يَكُونُ لِوَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَتَرَاخَى ثُبُوتُ الْمِلْكِ بِالْبَيْعِ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ فِي قَوْلٍ وَإِلَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute