للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقالت طائفة: لا يجوز ذلك، وبه قال ابن مسعود وابن عباس. وهو ظاهر قول حذيفة وعقبة بن عامر وابن عكيم، وبه قال جماعة من التابعين، منهم أصحاب ابن مسعود وأحمد في رواية اختارها كثير من أصحابه وجزم بها المتأخرون، واحتجوا بهذا الحديث وما في معناه.

قلت: هذا هو الصحيح؛ لوجوه ثلاثة تظهر للمتأمل. الأول: عموم النهي ولا مخصص للعموم، الثاني: سد الذريعة؛ فإنه يفضي إلى تعليق ما ليس كذلك، الثالث: أنه إذا علق فلا بد أن يمتهنه المعلق بحمله معه في حال قضاء الحاجة والاستنجاء ونحو ذلك.

وتأمل هذه الأحاديث وما كان عليه السلف - رضي الله تعالى عنهم - يتبين لك بذلك غربة الإسلام، خصوصا إن عرفت عظيم ما وقع فيه الكثير بعد القرون المفضلة من تعظيم القبور واتخاذ المساجد عليها والإقبال عليها بالقلب والوجه، وصرف جل الدعوات والرغبات والرهبات وأنواع العبادات التي هي حق الله تعالى إليها من دونه، كما قال تعالى: {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ} (١) {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (٢) ونظائرها في القرآن أكثر من أن تحصر.

قوله: " التولة " قال المصنف: هي " شيء يصنعونه يزعمون أنه يحبب المرأة إلى زوجها، والرجل إلى امرأته ". وبهذا فسرها ابن مسعود راوي الحديث، كما في صحيح ابن حبان والحاكم " قالوا: يا أبا عبد الرحمن، هذه الرقى والتمائم قد عرفناها. فما التولة؟ قال: شيء تصنعه النساء يتحببن به إلى أزواجهن ".

قال الحافظ: التولة - بكسر المثناة وفتح الواو واللام مخففا - شيء كانت المرأة تجلب به محبة زوجها، وهو ضرب من السحر. والله أعلم.


(١) سورة يونس الآية ١٠٦
(٢) سورة يونس الآية ١٠٧