للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لو أحججتها عليه كان في سبيل الله (١)».

وأما حديث أم معقل ففيه اضطراب كثير واختلاف شديد في سنده ومتنه حتى تعذر الجمع والترجيح، مع ما في بعض طرقه من راو ضعيف ومجهول ومدلس قد عنعن، وهذا مما يوجب التوقف فيه، وذلك لا شك فيه، من ينظر في طرق هذا الحديث في مسند الإمام أحمد وفي السنن مع حديث ابن عباس عند الشيخين وأبي داود وابن أبي شيبة ومع قصة أم طليق عند ابن السكن وابن منده والدولابي وقد حمل ذلك بعضهم على وقائع متعددة، ولا يخفى بعده.

وأما حديث أبي لاس فقال الحافظ في الفتح: رجاله ثقات إلا أن فيه عنعنة ابن إسحاق ولهذا توقف ابن المنذر في ثبوته. اهـ.

* * *

ويشير بذلك إلى ما حكي عنه أنه قال: إن ثبت حديث ابن لاس قلت بذلك. قال الحافظ: وتعقب بأنه يحتمل أنهم كانوا فقراء وحملوا عليها خاصة ولم يتملكوها انتهى.

وأما أثر ابن عباس فهو أيضا مضطرب صرح به أحمد كما في الفتح، وقد بين اضطرابه الحافظ، ولذلك كف أحمد عن القول بالإعتاق من الزكاة تورعا، وقيل: بل رجع عن هذا القول.

والثاني: أنه لا ينكر أن الحج من سبيل الله بل كل فعل خير من سبل الله لكن لا يلزم من هذا أن يكون السبيل المذكور في هذه الأحاديث هو المذكور في الآية، فإن المراد في هذه الأحاديث المعنى الأعم وفي الآية نوع خاص منه وهو الغزو والجهاد؛ لحديث أبي سعيد، وإلا فجميع الأصناف من سبيل الله بذلك المعنى. قال ابن حزم فإن قيل: قد روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الحج من سبيل الله، وصح عن ابن عباس أن يعطى منها في الحج.

قلنا: نعم وكل فعل خير فهو من سبيل الله تعالى إلا أنه لا خلاف في أنه تعالى لم يرد كل وجه من وجوه البر في قسمة الصدقات فلم يجز أن توضع إلا حيث بين النص وهي الذي ذكرنا. انتهى.

وقال ابن قدامة: هذا - أي عدم صرف الزكاة في الحج - أصح؛ لأن الزكاة إنما تصرف إلى أحد رجلين؛ محتاج إليها كالفقراء والمساكين وفي الرقاب والغارمين لقضاء ديونهم، وابن السبيل أو من يحتاج إليه المسلمون كالعامل والغازي والمؤلف والغارم لإصلاح ذات البين، والحج من الفقير لا نفع للمسلمين فيه ولا حاجة بهم إليه ولا حاجة به أيضا إليه؛ لأن الفقير لا فرض عليه فيسقط، ولا مصلحة في إيجابه عليه وتكليفه مشقة قد رفهه الله منها وخفف عنه إيجابها. وأما الخبر (يعني حديث أن «الحج في سبيل الله (٢)» فلا يمنع أن يكون الحج من سبيل الله، والمراد بالآية غيره لما ذكرناه. انتهى.

وقال ابن الهمام متعقبا على الاستدلال المذكور، ثم فيه نظر؛ لأن المقصود ما هو المراد بسبيل الله المذكور في الآية والمذكور في الحديث لا يلزم كونه إياه؛ لجواز أنه أراد الأمر الأعم وليس ذلك المراد في الآية بل نوع مخصوص، وإلا فكل الأصناف في سبيل الله بذلك المعنى. انتهى.

وقال صاحب تفسير المنار بعد الكلام في سند حديث أم معقل ما لفظه: وأقول من جهة المعنى

أولا: إن جعل أبي معقل جملة (في سبيل الله) أو وصيته به صدقة تطوع وهي لا يشترط فيها أن تصرف في هذه الأصناف التي قصرتها عليها الآية.

وثانيا: إن حج امرأته عليه ليس تمليكا


(١) سنن أبو داود المناسك (١٩٩٠).
(٢) سنن الدارمي الوصايا (٣٣٠٤).