للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واستدل أصحاب هذا الرأي بما استدل به أصحاب القول الأول بالنسبة لإرادة الغزاة من كلمة في سبيل الله.

وأما بالنسبة لدخول الحجاج والعمار في ذلك فقد استدلوا عليه بما روى أبو داود عن ابن عباس أن امرأة قالت لزوجها: أحججني مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على جملك الفلاني قال ذاك حبيس في سبيل الله. . . الحديث، وفيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «أما إنك لو أحججتها عليه كان في سبيل الله (١)» وبما روي عن أم معقل الأسدية أن زوجها جعل بكرا في سبيل الله وأنها أرادت الحج - وفيه: فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يعطيها البكر وقال: «الحج في سبيل الله (٢)» أخرجه أحمد وغيره. وبما روي عن أبي لاس قال: «حملنا النبي - صلى الله عليه وسلم - على إبل من الصدقة للحج (٣)» ذكره البخاري تعليقا ووصله أحمد وابن خزيمة والحاكم. وبما روى أبو عبيد في الأموال عن أبي معاوية وابن أبي شيبة في مصنفه عن أبي جعفر كلاهما عن الأعمش عن حسان أبي الأشرس عن مجاهد عن ابن عباس أنه كان لا يرى بأسا أن يعطي الرجل من زكاة ماله في الحج، وبما روي عن ابن عمر أنه سئل عن امرأة أوصت بثلاثين درهما في سبيل الله فقيل له: أتجعل في الحج؟ فقال: أما إنه من سبيل الله. أخرجه أبو عبيد بإسناد صحيح عنه.

وقال القرطبي في تفسيره. خرج أبو محمد عبد الغني الحافظ حدثنا محمد بن محمد الخياش حدثنا أبو غسان مالك بن يحيى حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا مهدي بن ميمون عن محمد بن أبي يعقوب عن عبد الرحمن بن أبي نعم - ويكني أبا الحكم - قال: كنت جالسا مع عبد الله بن عمر فأتته امرأة فقالت له: يا أبا عبد الرحمن إن زوجي أوصى بماله في سبيل الله. قال ابن عمر: فهو كما قال في سبيل الله. فقلت: أما زدتها فيما سألت عنه إلا غما، قال: فما تأمرني يا ابن أبي نعم آمرها أن تدفعه إلى هؤلاء الجيوش الذين يخرجون فيعتدون في الأرض ويقطعون السبيل؟ قال: قلت فما تأمرها، قال: آمرها أن تدفعه إلى قوم صالحين إلى حجاج بيت الله الحرام أولئك وفد الرحمن أولئك وفد الرحمن، أولئك وفد الرحمن ليسوا كوفد الشيطان. ثلاثا يقولها.

وقد أجيب بما يلي:

١ - بأن المتبادر إلى الأفهام من كلمة (سبيل الله) في آية المصارف هو الغزو.

وقال المباركفوري: وأما الأحاديث التي استدل بها أهل القول الثاني فقد أجيب عنها بوجهين

الأول: الكلام فيها إسنادا، فإن حديث ابن عباس في إسناده عامر بن عبد الواحد الأحول وقد تكلم فيه أحمد والنسائي، وقال الحافظ: صدوق يخطئ، وقد روى الشيخان عن ابن عباس نحو هذه القصة وليس عندهما أنه جعل جملة حبيسا في سبيل الله ولا


(١) سنن أبو داود المناسك (١٩٩٠).
(٢) سنن الدارمي الوصايا (٣٣٠٤).
(٣) مسند أحمد بن حنبل (٤/ ٢٢١).