يحاربون عباد الله. وهو أحسن من تقدير أولياء الله؛ لأن هذا الحكم يثبت بالقطع على الكافر الذمي.
(والمراد من الآية التوزيع) أي توزيع الأجزية المذكورة على أنواع قطع الطريق، وبه قال الشافعي والليث وإسحاق وقتادة وأصحاب أحمد، وقال عطاء وسعيد بن المسيب ومجاهد والحسن والضحاك والنخعي وأبو ثور وداود: الإمام مخير فيه على ما هو ظاهر النص مطلقا، وقال مالك: إذا رأى الإمام القاطع جلدا ذا رأي قتله، وإن كان جلدا لا رأي له قطعه.
ولنا ما روى محمد عن أبي يوسف عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال:«وادع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا بردة هلال بن عويمر الأسلمي فجاء أناس يريدون الإسلام فقطع عليهم أصحاب أبي بردة الطريق فنزل جبريل - عليه السلام - على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحد أن من قتل وأخذ المال صلب، ومن قتل ولم يأخذ قتل، ومن أخذ مالا ولم يقتل قطعت يده ورجله من خلاف، ومن جاء مسلما هدم الإسلام ما كان منه في الشرك»، وفي رواية عطية عن ابن عباس:«ومن أخاف الطريق ولم يقتل ولم يأخذ المال نفي»، وبالنظر إلى المعنى، وهو أن من المقطوع به أن ما ذكر من القتل والصلب والقطع والنفي كلها أجزية على جناية القطع.
ومن المقطوع به أن هذه الجناية تتفاوت خفة وغلظا والعمل بالإطلاق المحض للآية يقتضي أن يجوز أن يرتب على أغلظها أخف الأجزية المذكورة، وعلى أخفها أغلظ الأجزية، وهذا مما يدفعه قواعد الشرع والعقل؛ فوجب القول بتوزيع الأغلظ للأغلظ، والأخف للأخف؛ ولأن في هذا التوزيع موافقة لأصل الشرع حيث يجب القتل بالقتل، والقطع بالأخذ، إلا أن هذا الأخذ لما كان أغلظ من أخذ السرقة، حيث كان مجاهرة ومكابرة مع إشهار السلاح جعل المرة منه كالمرتين، فقطع في الأخذ مرة اليد والرجل معا من غير اشتراط كون النصاب فيه عشرين؛ لأن الغلظ في هذه الجناية من جهة الفعل لا متعلقة. ولموافقة قاعدة الشرع شرط في قطعهم كون ما يصيب كل واحد منهم نصابا كاملا كي لا يستباح طرفه بأقل من النصاب، فيخالف قاعدة الشرع.
ولم يشرط مالك سوى أن يكون المأخوذ نصابا فصاعدا أصاب كلا نصاب أو لا، وكون المقطوع اليد اليمنى والرجل اليسرى بالإجماع، كي لا يثوى نصفه، وكذا الأحكام السابقة من أنه لو كانت يسراه شلاء لا تقطع يمينه، وكذا رجله اليمنى لو كانت شلاء لا تقطع اليسرى، ولو كان مقطوع اليد اليمنى لا تقطع له يد، وكذا الرجل اليسرى؛ فإن قلت ليس في الأجزية الموزعة الحبس قلنا: هو المراد بالنفي، وذلك لأن ظاهره