للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التقييد من علامات المجاز.

(قوله: وإذا خرج جماعة ممتنعين) بقوتهم عمن يقصد مقاتلهم أو واحد له منعة بقوته ونجدته يعني شوكته، يقصدون قطع الطريق أي أخذ المارة، فأحوالهم بالنسبة إلى الجزاء الشرعي أربعة. وبالنسبة إلى ما هو أعم منه خمسة. أما بالنسبة إلى الجزاء فإما أن يؤخذوا قبل أن يأخذوا مالا ويقتلوا نفسا، بل لم يوجد منهم سوى مجرد إخافة الطريق إلى أن أخذوا فحكمهم أن يعزروا ويحبسوا إلى أن تظهر توبتهم في الحبس أو يموتوا. وأما إن أخذوا مال مسلم أو ذمي والمأخوذ إذا قسم على جماعتهم أصاب كل واحد عشرة دراهم فصاعدا أو ما يبلغ قيمته ذلك فيقطع الإمام يد كل منهم اليمنى ورجله اليسرى. وأما إن قتلوا مسلما أو ذميا ولم يأخذوا مالا فيقتلهم الإمام حدا.

ومعنى حدا أنه لو عفا أولياء المقتولين لا يقبل عفوهم؛ لأن الحد خالص حق الله تعالى لا يسمع فيه عفو غيره. فمتى عفا عنهم عصى الله تعالى. والرابعة أن يأخذوا المال ويقتلوا. وستأتي - إن شاء الله تعالى -، وفي فتاوى قاضيخان: وإن قتل ولم يأخذ المال يقتل قصاصا. وهذا يخالف ما ذكرنا إلا أن يكون معناه إذا أمكنه أخذ المال فلم يأخذ شيئا، ومال إلى القتل، فإنا سنذكر في نظيرها أنه يقتل قصاصا خلافا لعيسى بن أبان. وفيها أيضا إن خرج على القافلة في الطريق وأخاف الناس ولم يأخذ المال ولم يقتل يعزر ويخلى سبيله، وهو خلاف المعروف من أنه يحبس امتثالا للنفي المذكور في الآية. وأما بالنسبة إلى ما هو أعم فالأربعة المذكورة. والخامسة أن يؤخذوا بعدما أحدثوا توبة، وتأتي أيضا في الكتاب. والتقييد بمسلم أو ذمي في صدر المسألة ليخرج المستأمن. فلو قطعوا الطريق على مستأمن لم يلزمهم شيء مما ذكرنا إلا التعزير والحبس باعتبار إخافة الطريق وإخفار ذمة المسلمين؛ لأن ماله غير معصوم على التأييد وباقي الشروط من كون ذلك في برية لا في مصر ولا قرية ولا بين قريتين وغير ذلك مما يقدمه الشارحون، يأتي ذلك كله في الكتاب مفصلا.

(والأصل فيه) أي في توزيع الأجزية كما ذكرنا على الجنايات المذكورة قوله - تعالى -: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا} (١) الآية، سمي قاطع الطريق محاربا لله؛ لأن المسافر معتمد على الله تعالى. فالذي يزيل أمنه محارب لمن اعتمد عليه في تحصيل الأمن. وأما محاربته لرسوله، فإما باعتبار عصيان أمره، وإما باعتبار أن الرسول هو الحافظ لطريق المسلمين والخلفاء والملوك بعده نوابه، فإذا قطع الطريق التي تولى حفظها بنفسه ونائبه فقد حاربه، أو هو على حذف مضاف أي


(١) سورة المائدة الآية ٣٣