للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فالعقل هو ملكة الإدراك والفهم والتصور والرشد، والاستفادة من هذه الوظائف العقلية أمر يفرضه الإسلام، حيث يخاطب القرآن الناس ويشحذ فيهم ملكة التفكير والنظر والتدبر والتعقل، ويجعل هذا سبيل الاهتداء إلى وحدانية الله {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَ إِلَهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} (١) {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأرْضَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} (٢).

ويذكر الله في سورة الروم آيات متتابعة تحث الناس على التفكير في طبيعة تكوين أنفسهم، وطبيعة هذا الكون كله من حولهم، فإن هذا وذاك يدل دلالة قاطعة على أن هذا الوجود في نظامه الدقيق المحكم قائم على الحق وأن من مقتضيات هذا الحق الذي يقوم عليه الوجود أن تكون هناك آخرة {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ} (٣).

ويحثهم على السير في الأرض والتأمل في مصائر الغابرين الذين كانوا أولي بأس وقوة، وذوي قدرة على عمارة الأرض، وجاءتهم رسلهم بالبينات ولم يؤمنوا فمضت فيهم سنة الله في المكذبين، ولم تغن عنهم قوتهم ولا حضارتهم.

ثم تأتي آيات بدء الخلق ومعاده ومصير المؤمنين والكافرين، تتلوها آيات الله في الحياة والموت، وفي خلق الإنسان وخلق السماوات والأرض واختلاف الألسنة والألوان، ونوم البشر بالليل وسعيهم ابتغاء رزق الله بالنهار، وظاهرة البرق والمطر وحياة الأرض بالنبات بعد موتها، وقيام السماوات والأرض بأمر الله، ودعوة الناس للخروج من القبور، وتقرير البعث والقيامة، ويتخلل هذه الآيات تذييلها بقوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (٤).


(١) سورة البقرة الآية ١٦٣
(٢) سورة البقرة الآية ١٦٤
(٣) سورة الروم الآية ٨
(٤) سورة الروم الآية ٢١