للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وجاء هذا المعنى كذلك في قوله تعالى: {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} (١) {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} (٢) خلق الله الإنسان من نطفة أمشاج تختلط فيها خلية الرجل ببويضة المرأة بعد التلقيح، والمشيج في اللغة: الخلط، والأمشاج: الأخلاط، واحدها مشج ومشيج، وقال صاحب الكشاف: الأمشاج: لفظ مفرد وليس بجمع، بدليل أنه صفة للمفرد {نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ} (٣) ونظيره برمة أعشار، أي قطع مكسرة، وثوب أخلاق. وتحمل كل من الخلية والبويضة عامل الوراثة من الصفات المميزة للجنين، ولا يخلق الله هذا عبثا، ولكنه يخلقه للابتلاء والامتحان والاختبار حتى تظهر آثار ذلك على الإنسان فيما قدره الله عليه، وقد أعطاه الله ما يصح الابتلاء، وهو السمع والبصر، وهما كنايتان عن الفهم والتمييز، فيكون بهذا مستعدا للتلقي والاستجابة والمعرفة والاختبار، وبين له سبحانه سبيل الهدى والضلال، سبيل الخير والشر، سبيل النجاة والهلاك، حيث خلق فيه وسائل الإدراك ودلائل العقل الهادي، يستوي في هذا أن يكون شاكرا يستثمر نعم الله عليه في عبادته وطاعته، أو يكون كفورا يجحد نعم الله ويضل عن سواء السبيل.

وهكذا كانت طبيعة النفس الإنسانية مزدوجة في استعدادها لازدواج طبيعة خلق الإنسان.

٣ - ومنح الله الإنسان القوى المدركة المميزة: تميز الإنسان بأنه حيوان ناطق، وهم يعنون بالنطق التفكير، أي أنه مفكر بالقوة، وهو ما يعبر عنه في الاصطلاح الشرعي بالعقل الذي كان مناطا للتكليف.

وقد نوه القرآن الكريم بالعقل وعول عليه في أمر العقيدة، وأمر التبعة والمسئولية، وجاء التنبيه بالرجوع إليه في كثير من الآيات، فهو ملكة تقوي الإنسان إلى القيام بالمعروف والامتناع عن المنكر، وكان اشتقاقه من هذه المادة التي تدل في اللغة على المنع، ومنها أخذ العقال، لأنه يعقل صاحبه عما لا يليق.

أحمد القاضي


(١) سورة الإنسان الآية ٢
(٢) سورة الإنسان الآية ٣
(٣) سورة الإنسان الآية ٢