للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ونظيره قوله جابر عند مسلم في نكاح المتعة فنهانا عنها عمر، فظاهر كل منهما أنه اجتهاد من عمر والنسخ ثابت فيهما كما رأيت، وليست الأناة في المنسوخ، وإنما هي في عدم الاستعجال بإيقاع الثلاثة دفعة. . أما كون عمر كان يعلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يجعل الثلاث بلفظ واحد واحدة فتعمد مخالفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجعلها ثلاثا ولم ينكر عليه أحد من الصحابة فلا يخفى بعده، والعلم عند الله تعالى. انتهى.

الجواب الثاني: حمل الحديث على أن الناس اعتادوا في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وصدر من خلافة عمر إيقاع المطلق الطلقة الواحدة ثم يدعها حتى تنقضي عدتها ثم اعتادوا الطلاق الثلاث جملة وتتابعوا فيه، فمعنى الحديث على هذا كان الطلاق الذي يوقعه المطلق الآن ثلاثا يوقعه المطلق على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وصدر من خلافة عمر واحدة، فالحديث على هذا إخبار عن الواقع لا عن المشروع.

وهذا جواب أبي زرعة، والباجي، والقاضي أبي محمد عبد الوهاب، ونقل القرطبي عن الكيا الطبري أنه قول علماء الحديث، ورجحه ابن العربي، وذكره ابن قدامة.

أما أبو زرعة الرازي فقد نقله عنه البيهقي بسنده إلى عبد الرحمن بن أبي حاتم قال (١): سمعت أبا زرعة يقول: " معنى هذا الحديث عندي أما ما تطلقون أنتم ثلاثا كانوا يطلقون واحدة في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر - رضي الله عنهما.

وأما الباجي فقال (٢): " معنى الحديث أنهم كانوا يوقعون طلقة واحدة بدل إيقاع الناس ثلاثة طلقات - قال: ويدل على صحة هذا التأويل أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: " إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة " فأنكر عليهم أن أحدثوا في الطلاق استعجال أمر كان لهم فيه أناة فلو كان حالهم ذلك من أول الإسلام في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما قاله وما عاب عليهم أنهم استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة، ويدل لصحة هذا التأويل ما روي عن ابن عباس من غير طريق أنه أفتى بلزوم الطلاق الثلاث لمن أوقعها مجتمعة، فإن كان معنى حديث ابن طاوس فهو الذي قلناه، وإن حمل حديث ابن طاوس على ما يتأول فيه من لا يعبأ بقوله فقد رجع ابن عباس إلى قول الجماعة وانعقد به الإجماع. . انتهى كلام الباجي.


(١) السنن الكبرى: ٧/ ٣٣٨.
(٢) المنتقى: ٤/ ٤.