للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كان يفعل في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وصدر من خلافة عمر في مسألة تتعلق بالفروج ثم غيره عمر، ومن أجاز نسخ نكاح المتعة وأحال جعل الثلاث واحدة، يقال له ما لبائك تجر وبائي لا تجر؟

فإن قيل: نكاح المتعة صح النص بنسخه؟ قلنا قد رأيت الروايات المتقدمة بنسخ المراجعة بعد الثلاث.

وممن جزم بنسخ جعل الثلاث واحدة الإمام أبو داود - رحمه الله تعالى - ورأى أن جعلها واحدة إنما هو في الزمن الذي كان يرتجع فيه بعد ثلاث تطليقات وأكثر، قال في سننه: " باب نسخ المراجعة بعد التطليقات الثلاث " ثم ساق بسنده حديث ابن عباس في قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} (١) الآية، وذلك أن الرجل كان إذا طلق امرأته فهو أحق برجعتها وإن طلقها ثلاثا فنسخ ذلك، وقال {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} (٢) الآية، وأخرج نحوه النسائي، وفي إسناده علي بن الحسين بن واقد، قال فيه ابن حجر في التقريب صدوق يبهم.

وروى مالك في الموطأ عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال: كان الرجل إذا طلق امرأته ثم ارتجعها قبل أن تنقضي عدتها كان ذلك له، وإن طلقها ألف مرة، فعمد رجل إلى امرأته فطلقها حتى إذا أشرفت على انقضاء عدتها راجعها، ثم قال: لا آويك ولا أطلقك، فأنزل الله {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} (٣) فاستقبل الناس الطلاق جديدا من يومئذ من كان طلق منهم أو لم يطلق.

ويؤيد هذا أن عمر لم ينكر عليه أحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إيقاع الثلاث دفعة مع كثرتهم وعلمهم وورعهم.

ويؤيده أن كثيرا من الصحابة الأجلاء العلماء صح عنهم القول بذلك كابن عباس وعمر وابن عمر وخلق لا يحصى، والناسخ الذي نسخ المراجعة بعد الثلاث قال بعض العلماء إنه قوله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} (٤) كما جاء مبينا في الروايات المتقدمة، ولا مانع عقلا ولا عادة من أن يجهل مثل هذا الناسخ كثير من الناس إلى خلافة عمر، مع أنه - صلى الله عليه وسلم - صرح بنسخها وتحريمها إلى يوم القيامة في غزوة الفتح وفي حجة الوداع أيضا كما جاء في رواية عند مسلم، ومع أن القرآن دل على تحريم غير الزوجة والسرية بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} (٥) {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} (٦) ومعلوم أن المرأة المتمتع بها ليست بزوجة ولا سرية. . والذين قالوا بالنسخ قالوا معنى قول عمر: إن الناس استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة، أن المراد بالأناة أنهم كانوا يتأنون في الطلاق فلا يوقعون الثلاث في وقت واحد، ومعنى استعجالهم أنهم صاروا يوقعونها بلفظ واحد، على القول بأن ذلك هو معنى الحديث وقد قدمنا أنه لا يتعين كونه هو معناه وإمضاؤه عليهم إذن هو اللازم، ولا ينافيه قوله فلو أمضيناه عليهم، يعني ألزمناهم بمقتضى ما قالوا،


(١) سورة البقرة الآية ٢٢٨
(٢) سورة البقرة الآية ٢٢٩
(٣) سورة البقرة الآية ٢٢٩
(٤) سورة البقرة الآية ٢٢٩
(٥) سورة المؤمنون الآية ٥
(٦) سورة المؤمنون الآية ٦