للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليه الحافظ بقوله (١): " هو متعقب في مواضع:

أحدهما: أن الذي ادعى نسخ الحكم لم يقل إن عمر هو الذي نسخ حتى يلزم منه ما ذكر، وإنما قال ما تقدم " يشبه أن يكون علم شيئا من ذلك نسخ " أي اطلع على ناسخ الحكم الذي رواه مرفوعا؛ ولذلك أفتى بخلافه، وقد سلم المازري في أثناء كلامه أن إجماعهم يدل على ناسخ، وهذا هو مراد من ادعى النسخ.

الثاني: إنكاره الخروج عن الظاهر عجيب، فإن الذي يحاول الجمع بالتأويل يرتكب خلاف الظاهر حتما.

الثالث: أن تغليطه من قال المراد ظهور النسخ عجيب أيضا لأن المراد بظهوره انتشاره، وكلام ابن عباس أنه يفعل في زمن أبي بكر محمول على أن الذي كان يفعله من لم يبلغه النسخ، فلا يلزم ما ذكر من إجماعهم على الخطأ، وما أشار إليه من مسألة انقراض العصر لا يجيء هنا لأن عصر الصحابة لم ينقرض في زمن أبي بكر بل ولا عمر، فإن المراد بالعصر الطبقة من المجتهدين وهم في زمن أبي بكر وعمر بل وبعدهما طبقة واحدة. اهـ كلام الحافظ.

وقد أجاب ابن القيم عن دعوى النسخ فقال: (٢): وأما دعواكم لنسخ الحديث فموقوف على ثبوت معارض مقاوم متراخ فأين هذا؟

وأما حديث عكرمة عن ابن عباس في نسخ المراجعة بعد الطلاق الثلاث فلو صح لم يكن فيه حجة فإنما فيه " أن الرجل كان يطلق امرأته ويراجعها بغير عدد " فنسخ ذلك، وقصر على ثلاث فيها تنقطع الرجعة. فأين في ذلك الإلزام بالثلاث بفم واحد؟ ثم كيف يستمر المنسوخ على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وصدر من خلافة عمر لا تعلم به الأمة، وهو من أهم الأمور المتعلقة بحل الفروج؟ ثم كيف يقول عمر: " إن الناس قد استعجلوا في شيء كانت لهم فيه أناة " وهل للأمة أناة في المنسوخ بوجه ما؟ ثم كيف يعارض الحديث الصحيح بهذا الذي فيه علي بن الحسين بن واقد وضعفه معلوم.

وقد أجاب عن ذلك الشيخ محمد الأمين الشنقيطي فقال (٣): وأوضح دليل يزيل الإشكال عن القول بالنسخ المذكور وقوع مثله واعتراف المخالف به في نكاح المتعة؛ فإن مسلما روى عن جابر - رضي الله عنه - «أن متعة النساء كانت تفعل في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وصدر من خلافة عمر، قال: ثم نهانا عمر عنها فانتهينا (٤)»، وهذا مثل ما وقع في طلاق الثلاث طبقا. . فمن الغريب أن يسلم منصف إمكان النسخ في إحداهما ويدعى استحالته في الأخرى مع أن كلا منهما روى مسلم فيها عن صحابي جليل أن ذلك الأمر


(١) فتح الباري ٩/ ٢٩٨.
(٢) زاد المعاد ٤/ ١١٧، ١١٨.
(٣) أضواء البيان ١/ ١٨٦ - ١٨٧.
(٤) صحيح مسلم الحج (١٢١٧)، مسند أحمد بن حنبل (٣/ ٣٠٤).