للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلى عبد الله بن عباس وأبي هريرة - رضي الله عنهم - فاسألهما ثم ائتنا فأخبرنا، فذهب فسألهما فقال ابن عباس لأبي هريرة: أفته يا أبا هريرة فقد جاءتك معضلة، فقال أبو هريرة: الواحدة تبينها والثلاث تحرمها حتى تنكح زوجا غيره، حدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا خالد بن عبد الرحمن قال: أخبرني ابن أبي ذئب عن الزهري عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عن محمد بن إياس بن البكير، أن رجلا سأل ابن عباس وأبا هريرة وابن عمر عن طلاق البكر ثلاثا وهو معه فكلهم قالوا: حرمت عليك، حدثنا يونس قال أخبرنا سفيان عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة وابن عباس أنهما قالا في الرجل يطلق البكر ثلاثا: لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره، حدثنا أبو بكرة، قال ثنا مؤمل قال ثنا سفيان عن عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير أن رجلا سأل ابن عباس عن رجل طلق امرأته مائة فقال: ثلاث تحرمها عليه وسبعة وتسعون في رقبته إنه اتخذ آيات الله هزوا حدثنا علي بن شيبة حدثنا أبو نعيم قال ثنا إسرائيل عن عبد الأعلى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مثله.

حدثنا ابن مرزوق ثنا ابن وهب قال ثنا شعبة عن ابن أبي نجيح وحميد الأعرج عن مجاهد، أن رجلا قال لابن عباس: رجل طلق امرأته مائة فقال: عصيت ربك وبانت منك امرأتك، لم تتق الله فيجعل لك مخرجا {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} (١) قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} (٢) انتهى المراد من كلام الطحاوي.

وممن ارتضى هذا المسلك الذي هو مسلك النسخ - الحافظ ابن حجر العسقلاني في نهاية بحثة الطويل في هذه المسألة قال: (٣): وفي الجملة فالذي وقع في هذه المسألة نظير ما وقع في مسألة المتعة سواء أعني قول جابر أنها كانت تفعل في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وصدر من خلافة عمر، قال: ثم نهانا عمر عنها فانتهينا، فالراجح في الموضعين تحريم المتعة وإيقاع الثلاث للإجماع الذي انعقد في عهد عمر على ذلك، ولا يحفظ أن أحدا في عهد عمر خالفه في واحدة منهما، وقد دل إجماعهم على وجود ناسخ وإن كان خفي عن بعضهم قبل ذلك، حتى ظهر لجميعهم في عهد عمر، فالمخالف بعد هذا الإجماع منابذ له، والجمهور على عدم اعتبار من أحدث الاختلاف بعد الاتفاق. اهـ.

واعترض المازري على ذلك قال: " زعم بعضهم أن هذا الحكم منسوخ وهو غلط فإن عمر لا ينسخ ولو نسخ -وحاشاه- لبادر الصحابة إلى إنكاره، وإن أراد القائل أنه نسخ في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا يمتنع لكن يخرج عن ظاهر الحديث؛ لأنه لو كان كذلك لم يجز للراوي أن يخبر ببقاء الحكم في خلافه أبي بكر وبعض خلافة عمر قال: فإن قيل فقد يجمع الصحابة ويقبل منهم ذلك، قلنا: إنما يقبل ذلك لأنه يستدل بإجماعهم على ناسخ وأما أنهم ينسخون من تلقاء أنفسهم -فمعاذ الله؛ لأنه إجماع على الخطأ، وهم معصومون عن ذلك، قال: فإن قيل: فلعل النسخ إنما ظهر في زمن عمر، قلنا: هذا أيضا غلط لأنه يكون قد حصل الإجماع على الخطأ في زمن أبي بكر وليس انقراض العصر شرطا في صحة الإجماع على الراجح. هذا ما أورد المازري، وأجاب


(١) سورة الطلاق الآية ٢
(٢) سورة الطلاق الآية ١
(٣) فتح الباري: ٩/ ٢٩٩.