وكان على أهل الكوفة النعمان، وعلى أهل البصرة أبو موسى، وعلى الفريقين أبو سبرة، فحاصروهم أشهرا، وأكثروا فيهم القتل. وزاحفهم الفرس في أيام تستر ثمانين زحفا في حصارهم: يكون عليهم مرة، ولهم أخرى.
وأخيرا هزمهم المسلمون حتى أدخلوهم خنادقهم، ثم اقتحموها عليهم، وطوقوا مدينتهم تطويقا كاملا، حتى فتحوا المدينة وأسروا الهرمزان.
وخرج أبو سبرة في أثر المنهزمين من الفرس من تستر يطاردهم، وكانت فلول الفرس قد قصدت السوس، وخرج بالنعمان وأبى موسى ومعهما الهرمزان، حتى طوقوا السوس، وكتبوا بذلك إلى عمر، فكتب عمر إلى أبي موسى فرده إلى البصرة، فانصرف أبو موسى إلى البصرة (١).
وقبل فتح تستر، كان قد قدم وفد من وجوه أهل فارس إلى أبي موسى لمفاوضته، فقال رئيس الوفد لأبى موسى:"إنا قد رغبنا في دينكم فنسلم على أن نقاتل معكم العجم، ولا نقاتل معكم العرب، وإن قاتلنا أحد من العرب منعتمونا منه، وننزل حيث شئنا، ونكون فيمن شئنا منك، وتلحقونا بأشراف العطاء، ويعقد لنا الأمير الذي فوقك بذلك"، فقال أبو موسى:"بل لكم ما لنا، وعليكم ما علينا! "، قالوا:"لا نرضى! ". وكتب أبو موسى بذلك إلى عمر، فكتب عمر إلى أبي موسى:"أعطهم ما سألوك"، فكتب أبو موسى لهم، فأسلموا وشهدوا معه ومع المسلمين الآخرين حصار تستر، فألحقهم أبو موسى على قدر البلاء في أفضل العطاء، وأكثر شيء أخذه أحد من العرب، ففرض لمائة منهم في ألفين ألفين، وستة
(١) انظر التفاصيل في الطبري (٤/ ٨٣ - ٨٩) وابن الأثير (٢/ ٥٤٥ - ٥٥٠).