[الفرق بين متعلقات الإيمان ومتعلقات الإسلام]
الحديث يقول: (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به) ، هذه كلمات معدودات تضع الميزان الحق في ادعاء الإيمان اعتقاداً وقولاً وفعلاً.
فالإيمان: تصديق بالقلب واعتقاد بالغيب، بخلاف الإسلام الذي هو امتثال الجوارح ظاهراً، كما في حديث جبريل عليه السلام: عندما سأله عن الإسلام؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله) والشهادة نطق، (وتقيم الصلاة) والصلاة حركة، (وتؤتي الزكاة) وهي: إخراج جزء من المال، (وتصوم رمضان) والصيام: إمساك، (وتحج البيت) رحلة وعودة.
كل هذه أعمال ظاهرة بمعنى الاستسلام والانقياد لأوامر الله، ثم جاء في الحديث: (أخبرني عن الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره) ، كل هذه أمور غيبية ليس عندنا منها شيء محسوس، حتى الكتب التي أنزلها الله ليس عندنا حقائقها؛ لأن اليهود والنصارى غيّروا ما أنزل الله، ولم يبق إلا القرآن الكريم بين أيدينا، وهو داخل في عموم كتبه، وما عدا ذلك: فرب العزة سبحانه غيبه عنا، لكن آياته وقدرته ودلائل وجوده سبحانه مستقرة في أنفسنا وفي الكون كله من حولنا.
والملائكة أخبرنا الله عز وجل عنهم، وقد رآهم بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عياناً.
وكذلك الرسل كما أخبر سبحانه عنهم في كتابه، وبلغ عنه رسوله صلى الله عليه وسلم.
والبعث هو إحياء الناس بعد الموت.
والآيات عليه في كتاب الله من الناحية الكونية ومن الناحية العقلية، بل ومن الناحية العملية متوفرة.
أما من حيث الكون فيقول سبحانه: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى} [فصلت:٣٩] .
وأيضاً قصة بني إسرائيل وقتيلهم، {فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْييِ اللَّهُ الْمَوْتَى} [البقرة:٧٣] أي: فأحياه الله ونطق وقال: قتلني فلان، ثم مات، فكهذا الإحياء يحيي الله الموتى.
وإبراهيم عليه السلام قال: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْييِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة:٢٦٠] ، لأن العلم عن إبلاغ لا يساوي العلم عن مشاهدة، ولذا ذكر الله سبحانه في سورة التكاثر: (علم اليقين، وعين اليقين، وحق اليقين) .
فقال الله له: {فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ} [البقرة:٢٦٠] ، فقطعها، ووزعها، ثم ادعها تأتك سعياً.
وقصة أصحاب الكهف إذ لبثوا ثلاثمائة سنة وتسع سنوات -ثلاثمائة ميلادية، وهي ثلاثمائة وتسع هجرية قمرية- ثم يُبعثون ويذهبون ليبحثوا عن طعام ليأكلوه، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} [الكهف:٢١] .
وهكذا الذين خرجوا من ديارهم حذر الموت: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ} [البقرة:٢٤٣] .
وكذلك قصة عزير العزير مع حماره وفاكهته، فقد شاهد عياناً كيف يُنشز الله العظام بعد موتها وكيف يكسوها اللحم! وكذلك موسى كان معه حوت مقلي ومملَّح فاتخذ سبيله في البحر سرباً! طيور حيوانات حيتان بشر، كل ذلك آيات عملية، ونموذج مصغر للبعث، وإحياء نفس واحدة كإحياء الناس جميعاً.
فالإيمان يتعلق بالمغيبات، ولذا من لم يؤمن بمطلق الوعد أو الخبر وجاء عند المعاينة وأعلن إيمانه فلا قيمة لهذا الإيمان؛ لأنه لم يؤمن عن مجرد الخبر، وكما حصل لفرعون حيث آمن عند المشاهدة، فقيل له: {آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ} [يونس:٩١] وكذلك الحال مع عامة الناس، كل من تاب قبل أن يغرغر، وقبل أن يرى الحقائق، وينكشف له الغيب فإن الله يقبل توبته، أما إذا أصر وسوَّف حتى يعاين حقائق البعث والجزاء والآخرة، ثم يقول: تبتُ، فإن التوبة لا تقبل منه.