[الحفاظ على أعمال الحج]
نقول أيضاً: كيف تحافظ على طوافك، وهو أول أركان العمل؟ قد يكون طواف قدوم، أو طواف حج، أو طواف عمرة! فإذا طاف الطائف حول البيت والحِجر تم طوافه، أما إذا فعل مثل أولئك الذين يختصرون الطواف من داخل الحجر، فيدخل ويخرج من الباب الثاني، ويترك الحجر عن يمينه، فما طاف بالبيت، وضيع حجه.
إذا جاء وحافظ على طوافه، ثم جاء إلى السعي بين الصفا والمروة، {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ} [البقرة:١٥٨] إلى آخر السياق، فيؤدي هذا النسك كما أمر الله سبحانه وتعالى.
وهكذا وتجردك وتهذيب نفسك وكفها عما أحل الله فضلاً عما حرم، وطوافك بالبيت، والتزامك الملتزَم، وتقبيلك الحجر، وصلاة ركعتي الطواف خلف المقام.
وتذكر: أيُّ مقام هذا؟ ولمن؟ كان إبراهيم عليه السلام يقوم ببناء البيت ومعه إسماعيل، وهذا الحجر كان يرتفع به إبراهيم عند البناء وينزل به، ما كان هناك (مصعد) ، ولا كانت هناك آلات رافعة، وتتذكر مع كل ذلك نعم الله وقدرته.
فإذا جئت إلى الصفا والمروة تذكرت الآية الكبرى، وأخذت الدرس الأكبر في حياتك من قصة أمنا هاجر، وفي الأثر: (اسعوا كما سعت أمكم هاجر) .
وأنت تطوف وتهرول ثلاثة أشواط، لماذا تهرول؟ تذكر حينما كانوا في صلح الحديبية، وكتبوا الصحيفة وأبرموا الاتفاقية على أن يرجعوا ويأتوا من عامهم القادم معتمرون ثلاثة أيام ويرجعون، فجاءوا لقضاء العمرة.
فلما جاءوا إلى البيت وأرادوا أن يطوفوا لعمرتهم في السنة التي تلي عمرة الحديبية، وهم على مقتضى الشرط عزل، إلا السيوف في قرابها، فلما أصبحوا في بطن مكة بين يدي العدو، وأهل مكة قد أخلوا لهم الطرقات، وخرجوا على رءوس الجبال لينظروا ماذا يفعل محمد ومن جاء معه? فيأتيهم أستاذهم الأكبر إبليس، ويقول لهم: أين أنتم؟ هؤلاء قد جاءوا من يثرب، وقد أنهكتهم حمى يثرب، وأنهكهم السفر، لو ملتم عليهم ميلة رجل واحد لقضيتم عليهم واسترحتم، انظروا إلى هذه المكيدة! فبيننا وبينهم عهد، وهذا العهد كما يقال: حبر على ورق، ليس له قيمة، ومن سيحاسبهم بعد هذا؟! يحرضهم على أن ينقضوا العهد وأن يقتلوا المسلمين داخل المطاف! أسألكم بالله لو نفذوا هذه الفكرة ماذا يفعل المسلمون؟ هل عندهم مدد يأتيهم من المدينة؟ ومتى يجيئهم؟ هل عندهم مدد من القبائل المجاورة؟ ولا يستطيعون أن يعاونوا هؤلاء على قريش؛ ولكن كما يقول علماء التربية: لا يفل الحديد إلا الحديد.
فيأتي جبريل عليه السلام ويخبر رسول الله بما أتى به إبليس.
إذاً: تلك فكرة متوجهة للمسلمين، ويجب أن نبطلها بفكرة مناقضة، لا تكن كالشخص المريض البردان الذي لا يقدر أن يحرك نفسه، لا، بل شَمِّر وهروِل، فنزلوا الطواف مهرولين مشمرين، والمشركون ينظرون إلى هؤلاء يقفزون مثل الغزلان، فقال بعضهم لبعض: يقولون: أنهكتهم حمى يثرب وأضعفهم السفر، والله! إنهم ليطوفون وكأنهم الغزلان، ما لنا طاقة بمثل هؤلاء، وأبطلت الخدعة أو الفكرة في محلها.
تأتي أنت اليوم يقول لك المطوف: اضطبع وهرول، فنقول: أولئك لما طافوا كانوا خائفين، ونحن اليوم آمنون ولسنا خائفين! فلماذا نهرول؟ فنقول لك: من حكم العقل في الشرع أبطل السنة.
جاء رجل إلى عمر رضي الله تعالى عنه فقال: يا أمير المؤمنين! لقد هرولنا مع رسول الله حينما كنا خائفين، والآن نحن آمنون فعلام نهرول؟ قال: يا ابن أخي! لقد هرولنا ونحن خائفون، وهرول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ونحن آمنون وهرولنا معه، فتلك سنة رسول الله.
أنت الآن آمن والحمد لله، أدامها الله علينا وعلى المسلمين جميعاً، وحينما تهرول وتسأل عن الحكمة، يقال لك: أصحاب رسول الله وقع عليهم كذا وكذا، فتتذكر فضل الله عليك، وتعرف مدى حقهم علينا؛ لأننا نعيش في ظل كفاحهم وجهادهم، وننظر كم ضحوا من أجل الإسلام والمسلمين من بعدهم.