لقد حضنا الله تعالى على الصلاة فقال:{إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا}[النساء:١٠٣] أي: فرضاً أبدياً لازماً موقوتاً بوقت، فلا تجب قبل وقتها، وبعد وقتها أصبحت قضاء، والكثير من الأئمة يقول: لا تصلى بعد خروج الوقت لا على أنه يعفى عنها، ولكنها جريمة تتابعه إلى القبر إلى أن يسأل عنها؛ لأن وقتها قد مضى، ويقولون: إن قضاء الصلاة بعد خروج وقتها عن عمد كمن يريد أن يحج ويقف في عرفات ويذهب لمنى في شهر محرم أو في شهر رمضان أو في غير وقته من شهر ذي الحجة، وهل الحج يقضى في غير وقته؟ إذا قضي لفساد كما في الحيض فمعناه أنه يعاد في وقته في ذي الحجة من أيامه المعروفة منذ اليوم الثامن وهو يوم التروية إلى يوم عرفة إلى يوم النحر إلى يومين أو ثلاثة من أيام منى، وهكذا فسروا قوله:{إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا}[النساء:١٠٣] أي: لها وقتها الواجب اللازم، فمن أخرجها عنه فقد ارتكب كبيرة من الكبائر، وإذا أداها لا تقبل منه، كمن حج في محرم أو في ربيع أيكون حاجاً أو متلاعباً؟! يكون متلاعباً، ولكن مع ذلك نقول ما قال صلى الله عليه وسلم وما أكده الأئمة الأربعة وما قال به جمهور العلماء: إن الصلاة تقضى ولو بعد خروج وقتها، مع الإثم ومع المخالفة، فتقضى ويستغفر الذي قضاها ويطيل من الاستغفار، وحجة ذلك على من خالف هذا من الأئمة: أن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يسمى بحج البدل عندما جاءه نساء ورجال فقال بعضهم: يا رسول الله! أحج عن أبي فإنه لا يحتمل الركوب على الراحلة؟ وقال بعضهم: إن أبانا مات ولم يحج أنحج عنه، وقال بعضهم: إن أمنا ماتت ولم تحج أنحج عنها؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(لو كان على أبيك دين أكنت قاضيه؟ قال: نعم، أو قالت: نعم، فقال: فدين الله أحق بالوفاء)، فسمى الله ذلك ديناً فأصبح ديناً في ذمتك لابد أن تؤديه لله المعبود الأزلي جل جلاله.
فمن لم يحج في حياته وقد كان وجب عليه الحج يوماً بوجود الزاد والراحلة، وبالقدرة بدناً فلم يحج فهذا يحج عنه من ماله، يحج عليه أولاده، ومن يريد أن يتطوع عنه فله الأجر والثواب، وإن كان للأئمة هنا آراء لكن الأدلة تؤكد هذا جميعاً، فهذا دين الله.
والرسول صلى الله عليه وسلم قد ضرب مثلاً وذلك إذا مات الإنسان وعليه دين لإنسان ألا يؤديه؟ فإذا كان البشر تؤدي ماله فيقول النبي عليه الصلاة والسلام:(فدين الله أحق بالوفاء)، والدين الذي علينا لله هو ما سبق أن تركناه، ومن هنا تدخل الصلاة كما دخل الحج.
{وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ}[المؤمنون:٩] أي: يحافظون عليها في أوقاتها، ويحافظون عليها بطهارتها، ويحافظون عليها باستقبال الكعبة المشرفة، فيحافظون عليها بالطهارة البدنية والطهارة المكانية والطهارة المائية، فإن لم يستطيعوا بالماء فبالصعيد الطيب، وهو ما صعد على وجه الأرض.
وهكذا الله تعالى يصف المؤمن زيادة على خشوعه أنه يحافظ عليها في أول وقتها، وتجوز في وسط وقتها، وفي الأخير من الوسط، لكن لا ينبغي أن يكون تأخيرها عن أول الوقت دائماً.
وقد ورد في الأحاديث أن المنافقين يجلسون إلى أن تصير الشمس مصفرة فيذهبون فيصلون صلاة العصر، فلا يذكرون الله إلا قليلاً، ويستعجلون لكي لا يفوتهم الوقت بأذان المغرب، ومن هنا فالأحناف كرهوا صلاة العصر والشمس صفراء وهي على رءوس النخيل ورءوس الجبال.