[تفسير قوله تعالى: (إن الذين آمنوا والذين هادوا)]
قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [الحج:١٧].
يخبر الله عن المؤمنين وعن هذه الطوائف من الكفر، {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا} [الحج:١٧] أي: المسلمين الذين آمنوا بالله رباً وبمحمد نبياً صلوات الله وسلامه عليه.
قوله: {وَالَّذِينَ هَادُوا} [الحج:١٧] أي: اليهود أتباع موسى وهارون في زعمهم، المنزل عليهم التوراة الذي حرفوه وبدلوه، والذي ملئوه قذفاً للأنبياء، وتهجماً على الله جل جلاله وعلى مقامه، وعبدوا عزيراً من دون الله.
قوله: {وَالصَّابِئِينَ} [الحج:١٧] فئة بين النصارى واليهود، ولكنهم يعبدون نجوم السماء.
قوله: {وَالنَّصَارَى} [الحج:١٧] الذين زعموا أنهم أتباع عيسى، ولكنهم عوضاً عن أن يؤمنوا به عبداً نبياً آمنوا به إلهاً، وجعلوه ابن الله، وثالث ثلاثة، وقالوا: هو الله، قال تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} [المائدة:١٧]، ثم عبدوا مع الله عيسى ومريم.
قوله: {وَالْمَجُوسَ} [الحج:١٧] الذين عبدوا النيران وما يدخل في معناهم ممن عبدوا الجمادات من قردة وفروج وفئران وأحجار.
فكل هؤلاء -سوى المسلم- مشركون، فهؤلاء أشركوا مع الله عزيراً، وأولئك أشركوا مع الله النجوم، والآخرون أشركوا مع الله مريم وعيسى، وآخرون أشركوا مع الله النيران، ولا يزال هذا يتجدد.
كما أشرك في هذا اليوم مع الله ماركس ولينين وأتباعهما من الاشتراكيين والشيوعيين والقاديانيين والبهائيين والماسونيين والوجوديين.
وهذه الأشكال الضالة المضلة كلها فروع لليهودية، وفروع لإضلال الناس وإخراجهم عن دين الله الحق، وهؤلاء جميعاً يذكر الله عنهم: ممن لم يرد الإسلام، ولا الإيمان، فلم يؤمن بمحمد نبياً رسولاً، ولا بالقرآن كتاباً منزلاً، ولا بالإسلام الدين الحق ناسخاً للأديان الماضية، والذي لا دين بعده، وهو دين الخلائق كلها، دين العالم، ولا دين عالمي إلا الإسلام، فهؤلاء يفصل الله بينهم يوم القيامة.
فالأديان السابقة أديان قومية أرسلت لبني إسرائيل وأمثالهم، ولقد قال عيسى كما في الإنجيل: إني أرسلت إلى خراف بني إسرائيل.
وأكد هذا القرآن عندما قال الله تعالى عن عيسى: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ} [الصف:٦]، وتقديم المعمول على العامل يفيد الحصر، أي: لم أرسل لسواكم، فمن آمن بعيسى من غير بني إسرائيل فقد آمن بدين لم يطلب منه، ولم يرسل إليه، عرباً زعموا أو غير ذلك من بقية الفئات.
ويؤكد هذا المعنى رسول الله عليه الصلاة والسلام في الأحاديث المتواترة، قال: (خصصت بخمس: كان الأنبياء قبلي يرسلون إلى أقوامهم خاصة وأرسلت إلى الناس عامة).
فمن زعم أن اليهودية عالمية فهذا من أباطيل اليهودية، ومن زعم أن النصرانية عالمية فهذا من أباطيل النصرانية، ولا دين عالمي إلا الإسلام والرسالة المحمدية.
قوله: {إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الحج:١٧] أي: إن الله يفصل بين هؤلاء الرافضين للإسلام، المصرين على الشرك والكفر، هؤلاء الذين يأبون إلا التكذيب سيردون وسيفصل الله بينهم، وسيعلمون إذ ذاك: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} [آل عمران:١٩]، {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران:٨٥].
ومن لم يأت بالإسلام فلا سبيل إلى دخوله الجنة، ولا طمع له في رحمة الله، وهو في النار خالداً مخلداً أبداً.
قوله: {إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [الحج:١٧] أي: شهيد بعلمه وبأمره، وشهيد بإرادته جل جلاله وعلا مقامه.