أي: ما خلق ربنا السماوات والأرض وما بينهما من كواكب ومن مجرات إلا بالحق، لم يخلقه عبثاً ولا باطلاً، بل خلقه لحكمة، خلقه ليعلم وليعرف وليعدل:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}[الذاريات:٥٦] خلق الإنس والجن ليعبدوه، وسخر للإنسان السماوات والأرض وما بينهما وما فيهما، سخر له ما في السماوات من أرزاق وأمطار، وسخر له ما في الأرض من مياه وطير ودواب وفاكهة وخضرة.
فقوله تعالى:{مَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ}[الأحقاف:٣] أي: إلا بالعدل والحكمة، لم يكن شيء من ذلك باطلاً ولا عبثاً، بل خلقه لأجل مسمى، ولم يخلقه للأبد، بل خلقه للفناء، والأجل المسمى: يوم القيامة.
فهذه الدنيا بدايتها يوم خلقها ربها، وتنتهي بقيام الساعة، وقوله:(لأجل) لغاية أو لزمن أو لوقت معلوم عند الله، ويوم القيامة لا يعلم تحديده ووقته إلا الله، وإنما علمنا أماراتها وشرائطها، أما تحديدها بالضبط فلا يعلم ذلك إلا الله جل وعلا.
قال تعالى:{وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ}[الأحقاف:٣]، مع كل هذا ومع انفراد الله بالخلق وقدرته عليه، وخلقه السماوات والأرض وما بينهما لأجل مسمى عنده، مع هذا كله فالكافرون عما أنذروا معرضون.
فالمشركون معرضون عن الذي أنذروا به، أي: عن الذي خوفوا به من كتاب الله تهديداً ووعيداً، تخويفاً وإنذاراً، لكي يتوبوا ويئوبوا إلى الإيمان والتوحيد، ولكنهم مع ذلك غافلون عن كل هذا، لا يلتفتون لنذارة ولا لبشارة ولا لرسالة ولا لكتاب نزل من عند الله مبشراً ومنذراً.