قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ}[الحجرات:٦]، أي: بخبر: {فَتَبَيَّنُوا}[الحجرات:٦]، أي: تحققوا في الأمر ليبين ويظهر الحق من الباطل، والصدق من الكذب.
{أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ}[الحجرات:٦]، كي لا تصيبوا ولا تؤذوا قوماً بظلم:{فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}[الحجرات:٦].
فعندما يظهر لكم الحق الصراح وكذب هذا الفاسق تكونون قد بادرتم إلى الجهالة، فتصبحون نادمين، فلا تستعجلوا لمجرد سماع القول، بل تريثوا وانتظروا ليظهر الحق من الباطل، ومن هنا كان يقول عليه الصلاة والسلام:(التأني من الرحمن، والعجلة من الشيطان).
وقوله تعالى:{فَتَبَيَّنُوا}[الحجرات:٦]، أي: لا تبادروا بالعقوبة حتى يتبين لكم صدق هذا الفاسق من كذبه، وكأنه بعد الروية تَحُل العقوبة بمن يستحقها، والإحسان بمن يستحقه، ولا خير في العجلة، فالعجلة من الشيطان.
ولو أن بني المصطلق قتلوا وأخذت أموالهم لندم بعد ذلك الأصحاب، ولندم رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم سيكونون قد قتلوا إخوانهم المسلمين وصادروا أموالهم وهي عليهم حرام، وفي الحديث:(كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه).
فأنزل الله هذه الآية التي بقيت دستوراً وحكماً عاماً شاملاً في كل من جاء بنبأ في العصر النبوي وبعده إلى يوم القيامة، سواء أكان ذلك في الأمور الخاصة أم في الأمور العامة، كأن يأتيك فاسق فينقل لك شيئاً باطلاً عن زوجتك أو عن ولدك أو عن صديقك أو عن شريكك، وكأن يأتي جاسوس من المخابرات فيكتب عن زيد أنه قال كذا وفعل كذا وصنع كذا قبل أن يتبين الحق من الباطل، والصدق من الكذب، ويأخذ المال على هذا الكذب.
وهنا ما حرمه الله وأكد عليه في هذه الآية، حيث حكم على الكاذب في الخبر بأنه فاسق.