والده وقام بالأمر أحسن قيام. ومن الحوادث التي كانت في أيامه إمداد الحضرة السلطانية بالعساكر والميرة. إعانة على قتال العدو المحارب لها. ومنها عقد صلح مع دولة الصاردو بعد وقوع الوحشة. وفي محرم سنة ١٢٤٦هـ استولت فرنسا على الجزائر ثم على باقي الثغور شيئاً فشيئاً وقدم بعض أهلها لحضرته فأوسع لهم الكنف وأحلهم على الغبطة والأمان وفي سنة ١٢٤٧هـ رتب الجند النظامي وأحكم أساسه ورتب قوانينه وابتنى لسكناه قشلة المركاض وهي من المباني الضخمة، وفي السنة وافته الخلعة النظامية السلطانية وكان لباسه لها في يوم مشهود ومحفل عظيم وهو المجدد لرباط المنستير وفي أيامه وقع مسك الغيث وجزع الناس من ذلك وطاشت أفكارهم ولما رأى هذا الأمير شدة الحال أمر العلماء بقراءة صحيح البخاري بجامع الزيتونة فاجتمعوا وفرقوا أسفاره في جماعتهم وختموه في يوم واحد وهو أول مَن سنّ هاته السنة وجرى العمل إلى هذا الوقت بقراءته على نحو ما ذكر عند الشدة. وكان شهماً هماماً وقوراً محباً لمعالي الأمور محافظاً على شارات الملك كريم النفس لطيف الأخلاق شجاعاً كثير العطايا أمنت في دولته العباد والبلاد، توفي في محرم سنة ١٢٥١هـ.
[تنبيهات]
الأول: كان في عهد الأمير المولى محمود باشا المذكور طاعون جارف دام أكثر من عامين مات فيه في بعض الأيام آلاف ثم أعقبته مجاعة. وللدول في شأن الطاعون قوانين جرى بها العمل براً وبحراً لاتخاذ ما يلزم لقطع عدواه على زعمهم وتعرف بالكرنتينة ووقعت محاورة في أن ذلك بين أبي عبد الله محمد المناعي المذكور بهاته الطبقة وبين العلامة الهمام العمدة الإمام محمد بيرم شيخ الإسلام الثاني فهو يقول بالجواز والمناعي يقول بالمنع وألّف كل رسالة حافلة في الاستدلال على رأيه بالنصوص الفقهية. والحاصل في ذلك أن العلماء افترقوا في هذا الطاعون إلى قسمين: قسم يرى الاحتفاظ وعدم الخلطة وربما ساعده بعض ظواهر الشرع العزيز منها "فرَّ من المجذوم فرارك من الأسد" مع دليل التجربة فإن غالب من تحفظ حفظه الله مع اعتقاد أن المؤثر هو الفاعل المختار وكان هذا ينظر إلى رأي سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وإلى هذا مال شيخ الإسلام. ومنهم مَن لا يرى هذا الاحتفاظ وربما ساعده بعض ظواهر الشرع العزيز كقوله:{لا عدوى} ويرى التسليم إلى ما جاء في القدر. ومن القدر لا يغني الحذر. وهذا رأي سيدنا أبي عبيدة رضي الله عنه وإليه مال المناعي. وهاته المحاورة أشار إليها الشيخ رفاعة الطهطاوي