نفسه حينئذ، وكأنه أضر في آخر عمره وشاخ، ونزل عنها لولده أبي غانم منصور، وكان ما سيأتي في ترجمته، وأقام جماز بداره التي بناها في عرصة السوق المعروفة بدار خزيمة، حتى مات في صفر أربع وسبعمائة، وكان قد بنى قلعة ليتحصن فيها، ويكشف منها ضواحي المدينة، قال ابن فرحون: وهو أول من أدركته من أمراء المدينة، وكان شجاعا مهيبا سائسا حازما، ذا رأي صليب، وهمة علية، ترقت همته إلى أن قصد صاحب مكة-وهو الأمير نجم الدين أبو نمى محمد ابن صاحبها أبي سعد بن علي بن قتادة الحسني-وحاصره، وانتزع منه مكة، فاستولى عليها، وحكم فيها، وأقام بها يسيرا، ثم عادت إلى أبي نمى، وذلك في سنة سبع وثمانين وستمائة، وكان والده الأمير شيحة متوليا المدينة، انتزعها من الجمامزة في سنة أربع وعشرين وستمائة، كما سيأتي في ترجمته، وذكره المجد، فقال: كان بطلا باسلا، وعمنيا منازلا، ومهيبا سائسا، وقليبا حمارسا، وفتاكا صرمرما، وسفاكا غشمشما، وقرما هماما، وعبقريا قمقاما، ترقت به همته إلى أن قصد مكة، في صكة عمى، وأراد انتزاعها من يد الأمير نجم الدين أبي نمى، فهجم على مكة هجوم الطيف، وافتض عذرتها بحد السيف، وذلك: أنه بات ليالي على بابها مخيما، وعلى إخراجه منها عازما مصمما، فحاصرهم وقاتلهم، ودافعهم ونازلهم، إلى أن دب إليها، واستولى عليها، وخرج الأمير نمى منها، وصدق عزم جماز مكة، ولم يمتها، واستقر بها مدة حاكما، وصار الخمول متكامنا والسعد متراكما، ثم رد الله تعالى مكة إلى أبي نمى، وجمع الزمان بين غيلان ومي، وعاد جماز إلى محل ولايته، باسطا على المدينة ظل رايته، وكانت ولايته وراثة عن والده، ومنه كان تهيأ تناول مقالده، ولكن لم تصف له إلا بعد هزاهز ومنازعات بينه وبين مالك، وعيسى وغيرهما من ذوي قرابتهم الجمامز، كما ذكرناه في ترجمة شيحة مطولا، وبيناه مجملا ومفصلا، وكان جماز ذا رأي سديد، وقلب مجيد، وجأش جليد، وسماح على ذوي قرابته عظيم، وعطاء إلى بني عمه عميم، ولم يزل يبرهم بالإنعام الجزيل، ويغمرهم بالنوال الحفيل، إلى أن استمال قلوبهم، وملك بجوده غالبهم ومغلوبهم، وكان أولاده أحد عشر ولدا كأنهم أسود، منهم: منصور، وسند، ومقبل، وودي، وقاسم، وجوشن، وراجح، ومبارك، وثابت، ومسعود، وكان له من الأخوة ثمانية يحطمون ببأسهم المحاطم الأسود، منهم: منيف، وعيسى، وأبو رديني-جد الردينية، ومحمد-جد الفواطم، ولم يزل جماز مستقلا في ولايته إلى رأس السبعمائة، فلما وجد شمس الشباب قد غربت في عين حمئة، وارتفع السن، وتقعقع الشن، وخان البصر، وماتت القوى والقدر، نزل عن المنصب لأبر أولاده منصور وفوض إليه أمر الإمارة بحضور الجمهور، وحالف الناس على معاملته بالطاعة والنصرة والوفاء، وأمر أن يخطب له بحضرته على منبر هذا النبي المصطفى، وقال شيخنا في درره: وليها قديما بعد قتل أبيه، وقدم مصر سنة اثنتين وتسعين، فأكرمه الأشرف خليل وعظمه، وبشفاعته أفرج عن أمير الينبع، ورضي