للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْفَقِيرُ وَلَيْسَ بَيْنَ الرَّبِّ وَالْعَبْدِ إلَّا مَحْضُ الْعُبُودِيَّةِ فَكُلَّمَا كَمَّلَهَا قَرُبَ الْعَبْدُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ بَرٌّ جَوَادٌ مُحْسِنٌ يُعْطِي الْعَبْدَ مَا يُنَاسِبُهُ فَكُلَّمَا عَظُمَ فَقْرُهُ إلَيْهِ كَانَ أَغْنَى؛ وَكُلَّمَا عَظُمَ ذُلُّهُ لَهُ كَانَ أَعَزَّ؛ فَإِنَّ النَّفْسَ - لِمَا فِيهَا مِنْ أَهْوَائِهَا الْمُتَنَوِّعَةِ وَتَسْوِيلِ الشَّيْطَانِ لَهَا - تَبْعُدُ عَنْ اللَّهِ حَتَّى تَصِيرَ مَلْعُونَةً بَعِيدَةً مِنْ الرَّحْمَةِ. " وَاللَّعْنَةُ " هِيَ الْبُعْدُ؛ وَمِنْ أَعْظَمِ ذُنُوبِهَا إرَادَةُ الْعُلُوِّ فِي الْأَرْضِ؛ وَالسُّجُودُ فِيهِ غَايَةُ سُفُولِهَا؛ قَالَ تَعَالَى: {إنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} . وَفِي الصَّحِيحِ: {لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ} وَقَالَ لإبليس {فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا} وَقَالَ: {وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا} فَهَذَا وَصْفٌ لَهَا ثَابِتٌ. لَكِنْ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُعْلِيَ غَيْرَهَا جُوهِدَ وَقَالَ: {مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} . و " كَلِمَةُ اللَّهِ " هِيَ خَبَرُهُ وَأَمْرُهُ: فَيَكُونُ أَمْرُهُ مُطَاعًا مُقَدَّمًا عَلَى أَمْرِ غَيْرِهِ وَخَبَرُهُ مُطَاعًا مُقَدَّمًا عَلَى خَبَرِ غَيْرِهِ وَقَالَ: {وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} " وَالدِّينُ " هُوَ الْعِبَادَةُ وَالطَّاعَةُ وَالذُّلُّ وَنَحْوُ ذَلِكَ يُقَالُ: دِنْته فَدَانَ: أَيْ ذَلَّلْتُهُ فَذَلَّ. كَمَا قِيلَ:

هُوَ دَانَ أذكر هو الدِّيـ … ـنَ دِرَاكًا بِغَزْوَةِ وَصِيَالٍ

ثُمَّ دَانَتْ بَعْدُ الرَّبَابُ وَكَانَتْ … كَعَذَابِ عُقُوبَةُ الْأَقْوَالِ