للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لِظَاهِرِهِ وَتَعَجُّبًا مِنْ بَاطِنِهِ - حِفْظًا لِقَوَاعِدِك الَّتِي كَتَبْتهَا بِقُوَاك وَضَبَطْتهَا بِأُصُولِك الَّتِي عَقَلَتْك عَنْ جَنَابِ مَوْلَاك. إيَّاكَ مِمَّا يُخَالِفُ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ التَّنْزِيهِ وتوق التَّمْثِيلِ وَالتَّشْبِيهِ وَلَعَمْرِي إنَّ هَذَا هُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ؛ الَّذِي هُوَ أَحَدُّ مِنْ السَّيْفِ؛ وَأَدَقُّ مِنْ الشَّعْرِ وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ.

وَأَمَّا الصِّفَاتُ الَّتِي تَتَفَاضَلُ فَمِنْ ذَلِكَ الْحَيَاةُ السَّرْمَدِيَّةُ وَالْبَقَاءُ الْأَبَدِيُّ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ وَلَيْسَ لِلْمَلَكِ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا؛ وَإِنْ كَانَتْ حَيَاتُنَا هَذِهِ مَنْغُوصَةً بِالْمَوْتِ فَقَدْ أَسْلَفْت أَنَّ التَّفْضِيلَ إنَّمَا يَقَعُ بَعْدَ كَمَالِ الْحَقِيقَتَيْنِ حَتَّى لَا يَبْقَى إلَّا الْبَقَاءُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْعِلْمِ الَّذِي امْتَازَتْ بِهِ الْمَلَائِكَةُ. فَنَقُولُ: غَيْرُ مُنْكَرٍ اخْتِصَاصُ كُلِّ قَبِيلٍ مِنْ الْعِلْمِ بِمَا لَيْسَ لِلْآخَرِ فَإِنَّ الْوَحْيَ لِلرُّسُلِ عَلَى أَنْحَاءٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ} فَبَيَّنَ أَنَّ الْكَلَامَ لِلْبَشَرِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: مِنْهَا وَاحِدٌ يَكُونُ بِتَوَسُّطِ الْمَلَكِ. وَوَجْهَانِ آخَرَانِ لَيْسَ لِلْمَلَكِ فِيهِمَا وَحْيٌ وَأَيْنَ الْمَلَكُ مِنْ لَيْلَةِ الْمِعْرَاجِ وَيَوْمَ الطُّورِ وَتَعْلِيمِ الْأَسْمَاءِ وَأَضْعَافِ ذَلِكَ؟ . وَلَوْ ثَبَتَ أَنَّ عِلْمَ الْبَشَرِ فِي الدُّنْيَا لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى أَيْدِي الْمَلَائِكَةِ - وَهُوَ وَاَللَّهُ بَاطِلٌ - فَكَيْفَ يَصْنَعُونَ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ