للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالثَّانِي: أَنَّهُمْ يَجْمَعُونَ وَلَا يَقْصُرُونَ وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَطَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَد وَمِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَالْمَنْقُولَاتُ عَنْ أَحْمَد تُوَافِقُ هَذَا؛ فَإِنَّهُ أَجَابَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ بِأَنَّهُمْ لَا يَقْصُرُونَ. وَلَمْ يَقُلْ: لَا يَجْمَعُونَ وَهَذَا هُوَ الَّذِي رَجَّحَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ المقدسي فِي الْجَمْعِ وَأَحْسَنَ فِي ذَلِكَ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُمْ يَجْمَعُونَ وَيَقْصُرُونَ وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْه وَهُوَ قَوْلُ طَاوُوسٍ وَابْنِ عُيَيْنَة وَغَيْرِهِمَا: مِنْ السَّلَفِ وَقَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَد وَالشَّافِعِيِّ: كَأَبِي الْخَطَّابِ فِي " الْعِبَادَاتِ الْخَمْسِ " وَهُوَ الَّذِي رَجَّحَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ المقدسي وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَد؛ فَإِنَّ أَبَا مُحَمَّدٍ وَمُوَافِقِيهِ رَجَّحُوا الْجَمْعَ لِلْمَكِّيِّ بِعَرَفَةَ. وَأَمَّا " الْقَصْرُ " فَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْحُجَّةُ مَعَ مَنْ أَبَاحَ الْقَصْرَ لِكُلِّ مُسَافِرٍ إلَّا أَنْ يَنْعَقِدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى خِلَافِهِ. وَالْمَعْلُومُ أَنَّ الْإِجْمَاعَ لَمْ يَنْعَقِدْ عَلَى خِلَافِهِ وَهُوَ اخْتِيَارُ طَائِفَةٍ مِنْ عُلَمَاءِ أَصْحَابِ أَحْمَد: كَانَ بَعْضُهُمْ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ فِي مَسِيرَةِ بَرِيدٍ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي لَا يَجُوزُ الْقَوْلُ بِخِلَافِهِ لِمَنْ تَبَيَّنَ السُّنَّةَ وَتَدَبَّرَهَا. فَإِنَّ مَنْ تَأَمَّلَ الْأَحَادِيثَ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ وَسِيَاقَهَا عَلِمَ عِلْمًا يَقِينًا أَنَّ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَغَيْرِهِمْ صَلَّوْا بِصَلَاتِهِ قَصْرًا وَجَمْعًا وَلَمْ يَفْعَلُوا خِلَافَ ذَلِكَ. وَلَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ قَطُّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لَا بِعَرَفَةَ وَلَا