قَالَ {مَسِيرَةَ يَوْمَيْنِ} وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ {مَسِيرَةَ يَوْمٍ} وَفِي السُّنَنِ " بَرِيدًا " فَدَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ سَفَرٌ وَإِذْنُهُ لَهُ فِي الْمَسْحِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إنَّمَا هُوَ تَجْوِيزٌ لِمَنْ سَافَرَ ذَلِكَ وَهُوَ لَا يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ أَقَلُّ السَّفَرِ كَمَا أَذِنَ لِلْمُقِيمِ أَنْ يَمْسَحَ يَوْمًا وَلَيْلَةً. وَهُوَ لَا يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ أَقَلُّ الْإِقَامَةِ. وَاَلَّذِينَ قَالُوا: يَوْمَيْنِ اعْتَمَدُوا عَلَى قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ. وَالْخِلَافُ فِي ذَلِكَ مَشْهُورٌ عَنْ الصَّحَابَةِ حَتَّى عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ. وَمَا رُوِيَ {يَا أَهْلَ مَكَّةَ لَا تَقْصُرُوا فِي أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ مِنْ مَكَّةَ إلَى عسفان} إنَّمَا هُوَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَرِوَايَةُ ابْنِ خُزَيْمَة وَغَيْرِهِ لَهُ مَرْفُوعًا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَاطِلٌ بِلَا شَكٍّ عِنْدَ أَئِمَّةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ. وَكَيْفَ يُخَاطِبُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ مَكَّةَ بِالتَّحْدِيدِ وَإِنَّمَا أَقَامَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ زَمَنًا يَسِيرًا وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ لَا يَحِدُّ لِأَهْلِهَا حَدًّا كَمَا حَدَّهُ لِأَهْلِ مَكَّةَ وَمَا بَالُ التَّحْدِيدِ يَكُونُ لِأَهْلِ مَكَّةَ دُونَ غَيْرِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. وَأَيْضًا فَالتَّحْدِيدُ بِالْأَمْيَالِ وَالْفَرَاسِخِ يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ مِقْدَارِ مِسَاحَةِ الْأَرْضِ وَهَذَا أَمْرٌ لَا يَعْلَمُهُ إلَّا خَاصَّةُ النَّاسِ. وَمَنْ ذَكَرَهُ فَإِنَّمَا يُخْبِرُ بِهِ عَنْ غَيْرِهِ تَقْلِيدًا وَلَيْسَ هُوَ مِمَّا يُقْطَعُ بِهِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُقَدِّرْ الْأَرْضَ بِمِسَاحَةٍ أَصْلًا فَكَيْفَ يُقَدِّرُ الشَّارِعُ لِأُمَّتِهِ حَدًّا لَمْ يَجْرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute