قوله:(إنما هي من الطوافين عليكم) جملة مستأنفة فيها معنى التعليل، لعدم نجاسة الهرة، وهي الضرورة الناشئة من كثرة دورانها في البيوت ودخولها فيها، بحيث يشق صون الأواني عنها، فجعلها الله طاهرة، رأفةً بالعباد ودفعاً للحرج.
وقوله:(الطوافين) جمع طَوَّافٍ، شبهها بخدم البيت، وهو من يطوف على أهله ويدور حولهم برفق وعناية، وألحقها بالعقلاء فجمعها بالياء والنون مع أنها لا تعقل، إشارة إلى أنها من جنس الطوافين الذين سقط في حقهم الحجاب والاستئذان في غير الأوقات الثلاثة التي ذكرها الله تعالى، وذلك للضرورة وكثرة مداخلتهم.
الوجه الرابع: الحديث دليل على طهارة فم الهرة، وطهارة سؤرها - فضلتها - لسقوط حكم النجاسة عنها اتفاقاً، لعلة الطواف المنصوص عليها في الحديث، والتصريح بأنها ليست نجسة، والوضوء من سؤرها بعد أن أصغى لها الإناء.
وفي قوله:(إنها ليست بنجس) دليل على طهارة جميع أعضائها وبدنها على القول الراجح، خلافاً لمن قال: إن طهارتها مقصورة على سؤرها وما تناولته بفمها، وأما بقية أجزائها فنجسة، فإن هذا مخالف لدلالة الحديث، وهذا فرد من أفراد القاعدة العظيمة (المشقة تجلب التيسير)، فكثرة طوافها وعموم البلوى بها جعل ما تلامسه طاهراً وإن كان رطباً، قال ابن قدامة بعد حديث أبي قتادة:(وهذا قد دل بلفظه على نفي الكراهة عن سؤر الهرة، وبتعليله على نفي الكراهة عما دونها مما يطوف علينا .. )(١)، وعلى هذا فكل ما يُكْثِرُ التطواف على الناس ويشق الاحتراز منه فهو كالهرة، محكوم بطهارته، وأما إناطة الحكم بالصغر، وهو ما دون الهرة في الخِلقة، فلا وجه له، لعدم الدليل عليه، وليس الحكم خاصاً بفمها، بل جميع بدنها كذلك؛ لقوله:«إنها ليست بنجس إنها من الطوافين عليكم».