واعتذروا عن العمل بالحديث بأنه لم يقع فيه إلحاق متنازع فيه؛ لأن نسب أسامة كان ثابتًا ومعلومًا إلى زيد -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، وإنَّما كان الكفار يقدحون في نسبه لاختلاف اللون، فلا يصح أن يكون الحديث دليلًا على إثبات النسب بقول القائف.
والقول الأول هو الراجح لأمور ثلاثة:
الأول: أن قول القائف: (هذه أقدامٌ بعضها من بعض) هو في قوة: هذا ابن هذا.
الثاني: أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أقر هذا القائف على حكمه، وظاهره أنَّه تقرير لإلحاق بالقيافة مطلقًا، ولو كان هذا لا يجوز شرعًا لبين النبي - صلى الله عليه وسلم - له ذلك، ولو كانت القيافة باطلة لم يحصل بذلك سرور، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.
الثالث: أن عمر وعليًّا - رضي الله عنهما - قد حكما بقول القافة، قال ابن القيم:(ولا يعرف قط في الصحابة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ - من خالف عمر وعليًّا - رضي الله عنهما - في ذلك، بل حكم عمر بهذا في المدينة، وبحضرته المهاجرون والأنصار فلم ينكره منكر … )(١).
وقولهم:(إن القيافة تخمين) ليس بصحيح لأمرين:
الأول: أن القيافة لا يقبل فيها كلام كل أحد، بل هي استناد إلى ظن غالب ورأي راجح وأمارة ظاهرة بقول من هو من أهل الخبرة والمعرفة.
الثاني: أن هذا تعليل في مقابلة نص.
وأما اعتذارهم عن عدم العمل بالحديث بأنه لم يقع فيه إلحاق متنازع فيه، فهذا صحيح، لكن نقول: إن القيافة دليل آخر موافق لدليل الفراش -كما تقدم- وسرور النبي - صلى الله عليه وسلم - واستبشاره لتعاضد الأدلة لإثبات النسب، لا بقول القائف وحده، ولو لم تصح القيافة دليلًا لم يسر النبي - صلى الله عليه وسلم -، فمجرد سروره كافٍ في اعتبار قول القائف.