للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

نفي الحرج، وعدم النهي عن العود لمثلها، يدل على التسامح في ذلك، وهذا هو الموافق لمقاصد الدين الإسلامي، ولا سيما في مثل هذه الأزمان؛ لأن هذا أيسر للناس.

الوجه الخامس: في الحديث دليل على مشروعية وقوف العالم في أيام المناسك لإفتاء الناس وتعليمهم مناسكهم، وكذا في المواسم العارضة؛ كشهر رمضان وعشر ذي الحجة، يبذل العالم نفسه للناس؛ لأنهم في حاجة إلى من يعلمهم، ويجيب على أسئلتهم.

الوجه السادس: مما ينبغي أن يعلم أن الأصل في أحكام المناسك - كغيرها - هو التأسي بالنبي صلّى الله عليه وسلّم ومتابعته في أقواله وأفعاله؛ لأنه صلّى الله عليه وسلّم فعل المناسك أمام الأمة بياناً لقول الله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [آل عمران: ٩٧]، وكان صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لتأخذوا مناسككم، فإني لا أدري لعلّي لا أحج بعد حجتي هذه» (١)، قال النووي: (هذا الحديث أصل عظيم في مناسك الحج) (٢).

واعتياد الأخذ بالرخص قد يؤدي إلى التساهل بالمناسك وانحلال عزائم المكلفين، ولا ريب أن المقصود من الترخيص للمكلفين هو الرفق بهم عن تحمل المشاق، فالأخذ بها موافق لمقاصد الشريعة، لكن هذا لا يعني اعتياد الترخيص حتى كأنه هو الأصل؛ لأن هذا يؤدي إلى اعتبار العزائم شاقةً حَرِجَةً، ومن ثم لن يقوم بها المكلف كما ينبغي.

والنبي صلّى الله عليه وسلّم ما قال: «افعل ولا حرج» في جميع المناسك، وإنما قال هذا لما سئل عن التقديم والتأخير في مناسك يوم العيد. والله تعالى أعلم.


(١) رواه مسلم (١٢٩٧).
(٢) "شرح صحيح مسلم" (٩/ ٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>