للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

دليل لمن قال: إن النبي صلّى الله عليه وسلّم أهلَّ من البيداء، وتقدم حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه صلّى الله عليه وسلّم أهلَّ عندما استوت به راحلته عند المسجد.

ومعنى (أهلَّ) رفع صوته بالتلبية، التي تشتمل على توحيد الله بألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته، فالتلبية شعار التوحيد الذي هو ملة إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم، وهو روح الحج ومقصده؛ بل روح العبادات كلها؛ لأن قوله: (والملك) من توحيد الربوبية، وتوحيد الربوبية مستلزم توحيد الألوهية، وفي قوله: (إن الحمد والنعمة) توحيد الأسماء والصفات، فإن الحمد: وصف المحمود بالكمال مع محبته وتعظيمه، والنعمة: من صفات الأفعال. وفي قوله: (أهلَّ) دليل على مشروعية رفع الصوت بالتلبية، كما تقدم.

الوجه الثامن: قوله: (لبيك اللهم لبيك) أي: إجابة لك بعد إجابة، ولهذا المعنى كررت التلبية إيذاناً بتكرير الإجابة (١)، وهو منصوب بالياء إلحاقاً له بالمثنى، والمراد به التكثير، والناصب له فعل محذوف تقديره: أجيبك إجابة بعد إجابة، وينبغي للمحرم أن يستحضر - وهو يقول: لبيك - دعاء الله تعالى له وإجابته إياه، لا أن تكون عبارات التلبية مجرد ألفاظ تُردد؛ بل عليه أن يستحضر ذلك منذ خروجه من بلده، قال تعالى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [الحج: ٢٧]، فالتلبية تتضمن إجابة داعٍ دعاك ومنادٍ ناداك؛ إذ لا يصح في لغة ولا عقل إجابة من لا يتكلم ولا يدعو من أجابه.

وقوله: (لبيك لا شريك لك) التكرار للتأكيد، وهو أنه مجيب لربه، مقيم على طاعته، وقوله: (لا شريك) أي: فيما ذكر.

وقوله: (إن الحمد … ) بكسر الهمزة وفتحها، فالكسر على أنها جملة مستأنفة، معناها: الحمد لله على كل حال، والفتح على التعليل؛ أي: لبيك لأن الحمد والنعمة لك، فيرجع الحمد والنعمة إلى التلبية، والكسر أجود؛


(١) انظر: "تهذيب مختصر السنن" (٥/ ٢٥٢) حيث ذكر ابن القيم ثمانية أقوال في معنى "التلبية".

<<  <  ج: ص:  >  >>