للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الوجه الثالث: الحديث دليل على فضل صلاة التطوع، وأنها من أعظم الطاعات، وأقوى الأسباب لعلو الدرجات في جنات النعيم، والمراد بالسجود هنا: صلاة التطوع، ولهذا ذكر الحافظ هذا الحديث في أول هذا الباب، وكأن الذي صرف اللفظ عن ظاهره هو أن السجود بغير صلاة أو لغير سبب غير مرغَّب فيه على انفراده، والسجود وإن كان يصدق على صلاة الفرض لكن الإتيان بالفرائض لا بد منه لكل مسلم، وإنما أرشده النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى شيء يختص به، ينال به ما طلبه.

والتعبير بالسجود عن الركعة وقع في بعض الأحاديث، كما تقدم في «المواقيت» وكما سيأتي هنا، وقد يعبر عن الشيء ببعضه، لا سيما إذا كان هذا البعض أهم ما فيه، والسجود أهم ما في الصلاة، لما فيه من كمال الخضوع والذل والاستكانة لله تعالى، والقرب منه، لأنه غاية التواضع والعبادة لله تعالى، وفيه تمكين أعز أعضاء الإنسان وأعلاها وهو وجهه من التراب الذي يداس ويمتهن.

الوجه الرابع: الحديث دليل على سُمُوِّ نفس ربيعة رضي الله عنه وعلى شرف مطلبه، وعلو همته عن الدنيا الفانية، وشهواتها الزائلة، فلم يطلب جاهاً ولا مالاً، وإنما تاقت نفسه إلى أعلى المراتب، حيث سأل مرافقة النبي صلّى الله عليه وسلّم في الجنة، فصارت همته متعلقة بالمنازل العالية في الدار الآخرة، لا بالدنيا وشهواتها ولذاتها العاجلة، وقد ذكر القرطبي أن المراد بذلك: الزيادة من القرب ورفعة الدرجات، حتى يقرب من منزلة النبي صلّى الله عليه وسلّم وإن لم يساوه فيها (١).

ومثل هذا الحديث حديث ثوبان رضي الله عنه عندما سأل النبي صلّى الله عليه وسلّم عن عمل يدخله الله به الجنة، فقال صلّى الله عليه وسلّم: «عليك بكثرة السجود، فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة، وحَطَّ عنك بها خطيئة» (٢).


(١) "المفهم" (٢/ ٩٤).
(٢) أخرجه مسلم (٤٨٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>