(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ الْقَصْدُ وَالتُّؤَدَةُ وَحُسْنُ السَّمْتِ جُزْءٌ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ) .
ــ
[المنتقى]
الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ أَدْرَكَ أَبُو إدْرِيسَ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ وَهُوَ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ.
وَقَالَ: جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ هَذَا الشَّأْنِ وُلِدَ أَبُو إدْرِيسَ عَامَ حُنَيْنٍ وَتُوُفِّيَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ فِي طَاعُونِ عَمَوَاسَ وَكَانَ سَنَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ فَعَلَى هَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سَمِعَ مِنْهُ هَذَا الْحَدِيثَ خَاصَّةً وَمَعْنَى قَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ فَاتَنِي مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ فَاتَتْهُ صُحْبَتُهُ وَلَنْ يَأْخُذَ عَنْهُ الْكَثِيرَ كَمَا صَحِبَ وَأَخَذَ الْكَثِيرَ عَنْ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَشَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - وَأَحْكَمُ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ فَهَجَّرْت إلَى الْمَسْجِدِ فَوَجَدْته قَدْ سَبَقَنِي بِالتَّهْجِيرِ وَوَجَدْته يُصَلِّي يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ الْوَقْتَ كَانَ مِمَّا يُصَلُّونَ فِيهِ النَّوَافِلَ وَيَقْصِدُونَهُ بِذَلِكَ.
وَقَدْ قَالَ: مَالِكٌ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ وَقْتٌ يَبْعُدُ عَنْ صَلَاةِ فَرْضٍ قَبْلَهُ وَوَقْتُ نَوْمِ النَّاسِ غَالِبًا كَالْمَسْجِدِ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ وَقْتٌ وَلَيْسَ بَيْنَ الصَّلَاةِ الَّتِي قَبْلَهُ وَالصَّلَاةِ الَّتِي بَعْدَهُ اشْتِرَاكٌ فِي الْوَقْتِ فَاسْتُحِبَّ فِيهِ التَّنَفُّلُ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ فَقُلْت: وَاَللَّهِ إنِّي لَأُحِبُّك لِلَّهِ قَالَ: آللَّهِ فَقُلْت: آللَّهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْأَيْمَانَ كَانَتْ تَجْرِي عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ عَلَى مَعْنَى تَحْقِيقِ الْخَبَرِ وَيُؤَكِّدُ بِتَكْرَارِهَا وَاسْتِدْعَاءِ تَأْكِيدِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَوْلُهُ فَأَخَذَ بِحُبْوَةِ رِدَائِي يُرِيدُ بِمَا يَحْتَبِي بِهِ مِنْ الرِّدَاءِ وَهُوَ طَرَفَاهُ وَجَبَذَنِي إلَى نَفْسِهِ عَلَى مَعْنَى التَّقْرِيبِ لَهُ وَالتَّأْنِيسِ وَإِظْهَارِ الْقَبُولِ لِمَا أَخْبَرَ بِهِ وَتَبْشِيرِهِ بِمَا قَالَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَالَ: لَهُ أَبْشِرْ يُرِيدُ بِمَا أَنْتَ عَلَيْهِ فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ قَالَ: اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى مَعْنَى إضَافَةِ مَا يُبَشِّرُهُ إلَى خَبَرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ عَنْ رَبِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَهُوَ أَصْدَقُ الْقَائِلِينَ لِتَحْقِيقِ أَبِي إدْرِيسَ مَا أَخْبَرَهُ بِهِ وَتَثِقُ نَفْسُهُ بِهِ فَتَتَأَكَّدُ بَصِيرَتُهُ وَمَذْهَبُهُ فِي ذَلِكَ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ وَجَبَتْ مَحَبَّتِي يُرِيدُ ثَبَتَتْ إرَادَتِي لَهُمْ الثَّوَابَ الْجَزِيلَ لِلْمُتَحَابِّينَ وَالْمُتَجَالِسِينَ فِي يُرِيدُ أَنْ يَكُونَ جُلُوسُهُمْ فِي ذَاتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ التَّعَاوُنِ عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِقَامَةِ حُدُودِهِ وَالْوَفَاءِ بِعَهْدِهِ وَالْقِيَامِ بِأَمْرِهِ وَبِحِفْظِ شَرَائِعِهِ وَاتِّبَاعِ أَوَامِرِهِ وَاجْتِنَابِ مَحَارِمِهِ وَقَوْلُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِي يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يَكُونَ زِيَارَةُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ مِنْ أَجْلِهِ وَفِي ذَاتِهِ وَابْتِغَاءِ مَرْضَاتِهِ مِنْ مَحَبَّةٍ لِوَجْهِهِ أَوْ تَعَاوُنٍ عَلَى طَاعَتِهِ وَقَوْلُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِي يُرِيدُ يَبْذُلُونَ أَنْفُسَهُمْ فِي مَرْضَاتِهِ مِنْ الِاتِّفَاقِ عَلَى جِهَادِ عَدُوِّهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا أُمِرُوا بِهِ وَيُعْطِيهِ مَالَهُ إنْ احْتَاجَ إلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
(ش) : قَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْقَصْدُ يُرِيدُ الِاقْتِصَادَ فِي الْأَمْرِ وَتَرْكَ الْغُلُوِّ وَالسَّرَفِ فِيهِ وَقَالَ: عِيسَى بْنُ دِينَارٍ يُرِيدُ الْقَصْدَ فِي النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ وَجَمِيعِ شَأْنِهِ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ قَالَ: ابْنُ الْقَاسِمِ سَمِعْت مَالِكًا يَذْكُرُ الْقَصْدَ وَفَضْلَهُ قَالَ: وَإِيَّاكَ مِنْ الْقَصْدِ مَا يَجِبُ أَنْ يَرْتَفِعَ بِهِ قِيلَ لَهُ لِمَ قَالَ: تَعَجَّبَ وَتَعَجَّبَ النَّاسُ وَقَوْلُهُ وَالتُّؤَدَةُ يُرِيدُ الرِّفْقَ وَالتَّأَنِّي.
وَقَالَ: عِيسَى بْنُ دِينَارٍ حَتَّى يُحْكِمَ أُمُورَهُ، ثُمَّ يَدْخُلَ فِيهَا بِطَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَقَوْلُهُ: وَحُسْنُ السَّمْتِ يُرِيدُ الطَّرِيقَةَ وَالدِّينَ وَأَصْلُ السَّمْتِ الطَّرِيقُ وَقَوْلُهُ جُزْءٌ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ يُرِيدُ أَنَّ هَذِهِ مِنْ أَخْلَاقِ الْأَنْبِيَاءِ وَصِفَاتِهِمْ الَّتِي طُبِعُوا عَلَيْهَا وَأُمِرُوا بِهَا وَجُبِلُوا عَلَى الْتِزَامِهَا وَيُعْتَقَدُ أَنَّ هَذِهِ التَّجْزِئَةَ عَلَى مَا قَالَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَلَا يُدْرَى وَجْهُ ذَلِكَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - وَقَالَ: عِيسَى بْنُ دِينَارٍ مَنْ كَانَ عَلَى هَذَا وَقَلَّ كَلَامُهُ إلَّا بِمَا يَعْنِيهِ كَانَ فِيهِ جُزْءٌ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ.