حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ» ) (ص) : (مَالِكٌ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَبْدَ قَالَ: لِجِبْرِيلَ قَدْ أَحْبَبْت فُلَانًا فَأَحِبَّهُ فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: إنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ» وَإِذَا أَبْغَضَ اللَّهُ الْعَبْدَ قَالَ: مَالِكٌ لَا أَحْسَبُهُ إلَّا أَنَّهُ قَالَ: فِي الْبُغْضِ مِثْلَ ذَلِكَ)
ــ
[المنتقى]
حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ» ) (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ لِجَلَالِي يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - لِعَظَمَتِهِ وَعُلُوِّ شَأْنِهِ وَتَحَابُّهُمْ بِذَلِكَ إنَّمَا هُوَ أَنْ يُحِبَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الْآخِرَ لِطَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِيمَانِهِ بِهِ وَامْتِثَالِهِ أَوَامِرَهُ وَانْتِهَائِهِ عَمَّا نَهَاهُ عَنْهُ فَهَذَانِ هُمَا الْمُتَحَابَّانِ فِي اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَوْمَ لَا ظِلَّ إلَّا ظِلِّي يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ النَّاسَ يَضِجُّونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَتَدْنُو الشَّمْسُ مِنْهُمْ فَيَشْتَدُّ عَلَيْهِمْ الْحَرُّ وَلَا ظِلَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ إلَّا ظِلُّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَمَنْ أَظَلَّهُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَقَدْ رَحِمَهُ اللَّهُ وَفَازَ.
وَقَالَ: عِيسَى بْنُ دِينَارٍ يَقُولُ أُكِنُّهُ مِنْ الْمَكَارِهِ كُلِّهَا وَأَكْنُفُهُ فِي كَنَفِي وَأُكْرِمُهُ وَلَمْ يُرِدْ بِهَذَا شَيْئًا مِنْ الظِّلِّ وَلَا الشَّمْسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ إمَامٌ عَادِلٌ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ إمَامَ الْمُسْلِمِينَ وَمَنْ جَرَى مَجْرَاهُ مِنْ أَئِمَّةِ الْعَدْلِ وَالْحَاكِمِينَ بِالْعَدْلِ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى يَحْتَمِلُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ أَقَلُّ ذُنُوبًا وَأَكْثَرُ حَسَنَاتٍ مِمَّنْ نَشَأَ فِي غَيْرِ عِبَادَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ عَبَدَهُ فِي آخِرِ عُمْرِهِ وَعِنْدَ شَيْخِهِ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ بِالْمَسْجِدِ إذَا خَرَجَ مِنْهُ حَتَّى يَعُودَ إلَيْهِ مَعْنَاهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - يَنْوِي الرُّجُوعَ إلَيْهِ وَيَرْتَقِبُ وَقْتَ تَوَجُّهِهِ نَحْوَهُ فَهَذَا مِمَّا يَسْتَدِيمُ الْحَسَنَاتِ؛ لِأَنَّ مَنْ نَوَى حَسَنَةً فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً وَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرًا وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَى ذَلِكَ وَتَفَرَّقَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ قَالَ: مَالِكٌ الْحُبُّ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ مِنْ الْفَرَائِضِ وَاجْتِمَاعُهُمَا عَلَى مَعْنَى أَنَّهُمَا يَجْتَمِعَانِ بِسَبَبِ تَحَابِّهِمَا فِي اللَّهِ وَيَفْتَرِقَانِ عَلَى ذَلِكَ يَحْتَمِلُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يُرِيدَ بِهِ ثُبُوتَ مَحَبَّتِهِمَا حِينَ الِاجْتِمَاعِ وَالِافْتِرَاقِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّهُمَا يَفْتَرِقَانِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ لِيَنْفَرِدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِعَمَلٍ صَالِحٍ يَكُونُ الِانْفِرَادُ بِهِ أَفْضَلَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ خَصَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْخَالِيَ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ وَطَلَبِ الذِّكْرِ فَمَا كَانَ فِي حَالِ الْخَلْوَةِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَاسْتِشْعَارِ خَشْيَتِهِ حَتَّى تَفِيضَ عَيْنَاهُ فَإِنَّهُ خَالِصٌ لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَشُوبُهُ غَيْرُهُ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَجُلٌ دَعَتْهُ ذَاتُ حَسَبٍ وَجَمَالٍ يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - دَعَتْهُ إلَى نَفْسِهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ عَلَى وَجْهِ النِّكَاحِ وَيَعْرِفُ أَنَّهُ لَا يَقُومُ بِمَا يَجِبُ لَهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَدْعُوَهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَحِلُّ فَيَمْتَنِعُ مِنْهُ وَخَصَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ الشَّرَفِ وَالْجَمَالِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ فِيمَنْ اجْتَمَعَتْ لَهَا هَاتَانِ الصِّفَتَانِ أَرْغَبُ وَعَلَيْهَا أَحْرَصُ فَإِذَا قَالَ: إنِّي أَخَافُ اللَّهَ كَانَ امْتِنَاعُهُ لِمَخَافَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِيثَارًا لِمَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: إنِّي أَخَافُ اللَّهَ أَنَّهُ قَالَ لَهَا ذَلِكَ وَرَاجَعَهَا بِهِ وَأَظْهَرَ لَهَا وَجْهَ امْتِنَاعِهِ عَلَيْهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ قَالَ: ذَلِكَ فِي نَفْسِهِ فَمَنَعَ نَفْسَهُ بِذَلِكَ عَمَّا دَعَتْهُ إلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(ص) : (مَالِكٌ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَبْدَ قَالَ: لِجِبْرِيلَ قَدْ أَحْبَبْت فُلَانًا فَأَحِبَّهُ فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: إنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ» وَإِذَا أَبْغَضَ اللَّهُ الْعَبْدَ قَالَ: مَالِكٌ لَا أَحْسَبُهُ إلَّا أَنَّهُ قَالَ: فِي الْبُغْضِ مِثْلَ ذَلِكَ) .
(ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَبْدَ قَالَ: الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ مَحَبَّةُ اللَّهِ تَعَالَى لِلْعَبْدِ مَعْنَاهَا أَنْ يُرِيدَ إثَابَتَهُ وَقَوْلُهُ لِجِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: قَدْ أَحْبَبْت فُلَانًا فَأَحِبَّهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى مَعْنَى أَنْ يَكُونَانِ مُتَحَابَّيْنِ فِي اللَّهِ فَإِنَّ جِبْرِيلَ يُحِبُّهُ اللَّهُ وَذَلِكَ الرَّجُلُ يُحِبُّ الْمَلَائِكَةَ وَأَهْلَ الطَّاعَةِ أَجْمَعِينَ وَأَهْلُ الْكُفْرِ يُعَادُونَ