للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ: «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ إذْ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ فَوَجَدَ بِئْرًا فَنَزَلَ فِيهَا فَشَرِبَ فَخَرَجَ فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنْ الْعَطَشِ فَقَالَ الرَّجُلُ لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الْكَلْبَ مِنْ الْعَطَشِ مِثْلُ الَّذِي بَلَغَ مِنِّي فَنَزَلَ الْبِئْرَ فَمَلَأَ خُفَّهُ، ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ حَتَّى رَقِيَ فَسَقَى الْكَلْبَ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ لَأَجْرًا فَقَالَ: فِي كُلِّ ذِي كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ» ) .

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْثًا قِبَلَ السَّاحِلِ فَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ وَهُمْ ثَلَاثُمِائَةٍ قَالَ: وَأَنَا فِيهِمْ قَالَ: فَخَرَجْنَا حَتَّى إذَا كُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ فَنِيَ الزَّادُ فَأَمَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِأَزْوَادِ ذَلِكَ الْجَيْشِ فَجَمَعَ ذَلِكَ كُلَّهُ فَكَانَ مِزْوَدَيْ تَمْرٍ قَالَ: فَكَانَ يُقَوِّتُنَاهُ كُلَّ يَوْمٍ قَلِيلًا قَلِيلًا حَتَّى فَنِيَ وَلَمْ تُصِبْنَا إلَّا تَمْرَةٌ تَمْرَةٌ فَقُلْت وَمَا تُغْنِي تَمْرَةٌ فَقَالَ: لَقَدْ وَجَدْنَا فَقْدَهَا حَيْثُ فَنِيَتْ قَالَ، ثُمَّ انْتَهَيْنَا إلَى الْبَحْرِ فَإِذَا حُوتٌ مِثْلُ الظَّرِبِ فَأَكَلَ مِنْهُ ذَلِكَ الْجَيْشُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، ثُمَّ أَمَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِضِلْعَيْنِ مِنْ أَضْلَاعِهِ فَنُصِبَتَا، ثُمَّ أَمَرَ بِرَاحِلَةٍ فَرُحِلَتْ، ثُمَّ مَرَّتْ تَحْتَهُمَا وَلَمْ تُصِبْهُمَا» قَالَ مَالِكٌ الظَّرِبُ الْجُبَيْلُ) .

ــ

[المنتقى]

(ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ يُقَالُ فِي الْمَاضِي لَهَثَ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَكَسْرِهَا وَفِي الْمُسْتَقْبَلِ يَلْهَثُ بِالْفَتْحِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ، أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ وَاللَّهَثُ شِدَّةُ تَوَاتُرِ النَّفَسِ مِنْ التَّعَبِ، أَوْ غَيْرِهِ وَيَحْتَمِلُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يَكُونَ هَذَا الْكَلْبُ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ هُوَ الْكَلْبُ الْمُخْتَصُّ بِهَذَا الِاسْمِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ الْحَيَوَانِ لَهَثًا وَلِذَلِكَ يَلْهَثُ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ وَسَائِرُ الْحَيَوَانِ لَا تَلْهَثُ إلَّا لِسَبَبٍ وَقَوْلُ الرَّجُلِ لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الْكَلْبَ مِنْ الْعَطَشِ مِثْلُ الَّذِي بَلَغَ مِنِّي بِمَعْنَى الذِّكْرِ لِلسَّبَبِ الْمُوجِبِ لِإِشْفَاقِهِ عَلَيْهِ وَرَحْمَتِهِ لَهُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَزَلَ الْبِئْرَ فَمَلَأَ خُفَّهُ، ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ حَتَّى رَقِيَ فَسَقَاهُ بِمَعْنَى الْإِعْلَامِ لِسَبَبِهِ إلَى سَقْيِ الْكَلْبِ بِهِ وَمَا نَالَ فِيهِ مِنْ التَّعَبِ وَاسْتِعْمَالِ خُفِّهِ بِمَا يُفْسِدُهُ غَالِبًا، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ بِفِعْلِهِ وَيَحْتَمِلُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْجَزَاءَ لَهُ بِالْغُفْرَانِ وَالثَّوَابِ وَقَدْ تُسَمِّي الْعَرَبُ الْجَزَاءَ شُكْرًا وَلِذَلِكَ رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فِي الَّذِي أَقْرَضَ قَرْضًا: شُقَّ الصَّحِيفَةَ فَإِنْ أَعْطَاك مِثْلَ الَّذِي لَك قَبِلْته وَإِنْ أَعْطَاك أَفْضَلَ مِنْهُ طَيِّبَةً بِهِ نَفْسُهُ فَذَلِكَ شُكْرٌ شَكَرَهُ لَك وَقَدْ وَصَفَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَفْسَهُ بِالشُّكْرِ فَقَالَ تَعَالَى {وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ} [التغابن: ١٧] .

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِي كُلِّ ذِي كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ» عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْحَيَوَانِ مَا يُمْلَكُ مِنْهُ وَمَا لَا يُمْلَكُ فَإِنَّ فِي الْإِحْسَانِ إلَيْهَا أَجْرًا.

(ش) : قَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْثًا قِبَلَ السَّاحِلِ يُرِيدُ جَيْشًا غَازِينَ وَمُرْتَصِدِينَ لِعَابِرِ السَّبِيلِ مِنْ الْمُحَارَبِينَ وَكَانُوا ثَلَاثَمِائَةٍ وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِيَعُودَ أَمْرُهُمْ وَتَصَرُّفُهُمْ إلَى حُكْمِهِ لِأَنَّ رَأْيَ الْجَمَاعَةِ إذَا لَمْ يَعُدْ إلَى وَاحِدٍ كَثُرَ فِيهِ الِاخْتِلَافُ الْمُؤَدِّي إلَى الْفَسَادِ وَلَمَّا فَنِيَ زَادُهُمْ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ وَأَمَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِأَزْوَادِ الْجَيْشِ فَجُمِعَتْ فَيَحْتَمِلُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ أَبُو عُبَيْدَةَ لِرَأْيٍ رَآهُ وَمُوَافَقَةِ أَهْلِ الْجَيْشِ أَجْمَعَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ وَرِضَاهُمْ بِهِ وَإِنْ كَانَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُمْ أَكْثَرَ زَادًا مِنْ بَعْضٍ وَيَكُونَ فِيهِمْ مَنْ فَنِيَ زَادُهُ جُمْلَةً إلَّا أَنَّهُمْ أَرَدُوا التَّوَاسِيَ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: إنَّ الْأَشْعَرِيِّينَ إذَا أَرْمَلُوا جَمَعُوا زَادَهُمْ فَتَوَاسَوْا فِيهِ فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَبُو عُبَيْدَةَ حَكَمَ بِذَلِكَ بَيْنَهُمْ حِينَ رَأَى أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ قَدْ فَنِيَ زَادُهُ وَخَافَ عَلَيْهِ سُرْعَةَ الْهَلَاكِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَهُ زَادٌ يَكْفِيهِ وَلَيْسَ بِمَوْضِعِ ابْتِيَاعٍ وَلَا تَسَبُّبٍ فَأَلْزَمَهُمْ أَبُو عُبَيْدَةَ التَّسَاوِي فِيمَا عِنْدَهُمْ مِنْ الزَّادِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْحَدِيثِ ثَمَنًا وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ كَانَ عَلَى وَجْهِ التَّرَاضِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُوتُهُمْ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ يَسِيرًا يَسِيرًا اسْتِدَامَةً لِلزَّادِ وَتَسْوِيَةً بَيْنَ النَّاسِ حَتَّى لَمْ يُصِبْهُمْ إلَّا تَمْرَةُ تَمْرَةُ وَفَنِيَتْ بَعْدَ ذَلِكَ فَفَقَدُوا

<<  <  ج: ص:  >  >>