(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ وَهُوَ مُسْنِدٌ ظَهْرَهُ إلَى الْكَعْبَةِ مَنْ أَخَذَ ضَالَّةً فَهُوَ ضَالٌّ) .
(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ شِهَابٍ يَقُولُ كَانَتْ ضَوَالُّ الْإِبِلِ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إبِلًا مُؤَبَّلَةً تَتَنَاتَجُ لَا يَمَسُّهَا أَحَدٌ حَتَّى إذَا كَانَ زَمَانُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَمَرَ بِتَعْرِيفِهَا ثُمَّ تُبَاعُ فَإِذَا جَاءَ صَاحِبُهَا أُعْطِيَ ثَمَنَهَا) .
ــ
[المنتقى]
ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ، وَتَضَمَّنَ حَدِيثُ عُمَرَ جَوَازَ رَدِّ الْإِبِلِ إلَى مَوْضِعِهَا بَعْدَ أَخْذِهَا بِخِلَافِ اللُّقَطَةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الْإِبِلَ الضَّالَّةَ إذَا رُدَّتْ إلَى مَكَانِهَا لَمْ يُخْفَ عَلَيْهَا ضَيَاعٌ؛ لِأَنَّهَا تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا، وَلُقَطَةُ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ إذَا رُدَّتْ إلَى مَكَانِهَا لَمْ يُشَكَّ فِي ضَيَاعِهَا فَكَانَ الْمُلْتَقِطُ الَّذِي عَرَّفَهَا سَنَةً أَوْلَى بِهَا.
(فَرْعٌ) وَهَلْ يُرْسِلُهَا بِبَيِّنَةٍ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى إرْسَالِهَا قَالَ ابْنُ نَافِعٍ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى ذَلِكَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهَا عَلَى الْأَمَانَةِ وَالْإِبِلُ مِمَّا لَا يُغَابُ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا حِفْظُهَا لِصَاحِبِهَا فَكَانَ مُصَدَّقًا فِي إرْسَالِهَا مَعَ أَنَّهُ يَشُقُّ الْإِشْهَادُ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَرْسَلَهَا حَيْثُ وَجَدَهَا وَأَكْثَرَ مَا تُوجَدُ فِي الْفَيَافِي وَالْقِفَارِ الْبَعِيدَةِ تَعَذَّرَ الْإِشْهَادُ عَلَى ذَلِكَ.
(ش) : قَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَنْ أَخَذَ ضَالَّةً فَهُوَ ضَالٌّ قَالَ فِي كِتَابِ ابْنِ مُزَيْنٍ مِنْ رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ مَا مَعْنَاهُ مُخْطِئٌ، وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِمَنْ سَأَلَهُ عَنْ أَخْذِهَا «مَا لَك وَلَهَا مَعَهَا سِقَاؤُهَا وَحِذَاؤُهَا تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا» فَمَنْ خَالَفَ ذَلِكَ فَقَدْ أَخْطَأَ وَضَلَّ فِي فِعْلِهِ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ خَطَأٌ لَيْسَ فِيهِ تَعَدٍّ عَلَى صَاحِبِهَا إذَا لَمْ يُبْعِدْهَا عَنْ مَوْضِعِهَا وَإِنَّمَا عَقَلَهَا فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَعَرَّفَهَا ثُمَّ أَرْسَلَهَا حَيْثُ وَجَدَهَا، وَلِذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْ ضَمَانَ الضَّالَّةِ إذَا رَدَّهَا إلَى مَكَانِهَا، وَأَمَّا إنْ تَلِفَتْ بِيَدِهِ فِي وَقْتِ حِفْظِهَا فَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي أَخْذِهِ لَهَا عَلَى وَجْهِ الْحِفْظِ وَالتَّعْرِيفِ إضْرَارٌ بِصَاحِبِهَا.
وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: إنَّهُ إنْ أَنْفَقَ عَلَيْهَا الْآخِذُ الْمُعَرَّفُ لَهَا ثُمَّ جَاءَ صَاحِبُهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا حَتَّى يُؤَدِّيَ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا الْآخِذُ لَهَا أَنْفَقَ بِأَمْرِ سُلْطَانٍ، أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَالظَّاهِرُ عِنْدِي أَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَعَدٍّ فِي أَخْذِهَا لِيَحْفَظَهَا لِصَاحِبِهَا وَيَرْفَعَ أَمْرَهَا إلَى الْإِمَامِ عَلَى حَسْبِ مَا فَعَلَهُ ثَابِتُ بْنُ الضَّحَّاكِ، وَلَوْ كَانَ مُتَعَدِّيًا فِي ذَلِكَ لَضَمِنَهَا، وَإِنْ تَلِفَتْ بِغَيْرِ فِعْلِهِ وَلَأَنْكَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَلَى ثَابِتٍ أَخْذَهَا.
وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ مَنْ وَجَدَ بَعِيرًا فَلْيَأْتِ بِهِ الْإِمَامَ فَأَمَرَهُ بِأَخْذِهِ وَنَقْلِهِ إلَى الْإِمَامِ، وَيُحْتَمَلُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِ عُمَرَ مَنْ أَخَذَ ضَالَّةً فَهُوَ ضَالٌّ فِيمَنْ أَخَذَهَا مُتَمَلِّكًا لَهَا وَمُسْرِعًا إلَى أَكْلِهَا عَلَى حَسْبِ مَا يُفْعَلُ بِضَالَّةِ الْغَنَمِ، أَوْ فِيمَنْ أَخَذَهَا لِيُعَرِّفَهَا مُدَّةً فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا تَصَرَّفَ فِيهَا بِمَا شَاءَ مِنْ الْأَكْلِ وَغَيْرِهِ فَهَذَا الَّذِي يُمْكِنُ أَنْ يُوصَفَ بِأَنَّهُ ضَالٌّ وَبِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ وَيَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِيَدِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
(ش) : قَوْلُهُ كَانَتْ ضَوَالُّ الْإِبِلِ فِي زَمَانِ عُمَرَ إبِلًا مُؤَبَّلَةً يَعْنِي أَنَّهَا كَانَتْ لَا يَأْخُذُهَا أَحَدٌ، وَإِنْ أَخَذَ مِنْهَا الْوَاحِدَةَ مِثْلُ مَا أَخَذَ ثَابِتُ بْنُ الضَّحَّاكِ مِمَّنْ لَمْ يَبْلُغْهُ النَّهْيُ، أَوْ مِمَّنْ بَلَغَهُ النَّهْيُ وَتَأَوَّلَهُ عَلَى حَسْبِ مَا قَدَّمْنَاهُ فَكَانَ الْأَكْثَرُ لَا يُؤْخَذُ فَتَبْقَى مُؤَبَّلَةً تَتَنَاتَجُ لَا يَمَسُّهَا أَحَدٌ فَلَمَّا كَانَ زَمَانُ عُثْمَانَ أَمَرَ بِتَعْرِيفِهَا ثُمَّ تُبَاعُ لِصَاحِبِهَا يُعْطَى ثَمَنَهَا إذَا جَاءَ، وَذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لَمَّا كَثُرَ فِي النَّاسِ مَنْ لَمْ يَصْحَبْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ كَانَ لَا يَعَفُّ عَنْ أَخْذِهَا إذَا تَكَرَّرَتْ رُؤْيَتُهُ لَهَا حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهَا ضَالَّةٌ فَرَأَى أَنَّ الِاحْتِيَاطَ عَلَيْهَا أَنْ يَنْظُرَ فِيهَا الْإِمَامُ فَيَبِيعُهَا وَيَبْقَى التَّعْرِيفُ فِيهَا فَإِذَا جَاءَ صَاحِبُهَا أُعْطِيَ ثَمَنَهَا وَحُمِلَ حَدِيثُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَنْعِ مِنْ أَخْذِهَا عَلَى وَقْتِ إمْسَاكِ النَّاسِ عَنْ أَخْذِهَا وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا أَنَّهُ كَانَ يَبِيعُهَا إذَا يَئِسَ مِنْ مَجِيءِ صَاحِبِهَا بِأَنْ تَطُولَ الْمُدَدُ عَلَى ذَلِكَ وَتَتَنَاتَجُ وَيُخَافُ عَلَيْهَا الْمَوْتُ فَكَانَ فِي بَيْعِهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ حِفْظٌ لَهَا عَلَى صَاحِبِهَا؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَنْقُلُهَا إلَى الْأَثْمَانِ الَّتِي لَا يُخَافُ عَلَيْهَا.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَدْ بَنَى لِلضَّوَالِّ مِرْبَدًا يَعْلِفُهَا فِيهِ