للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ مَنْ رَدَّ وَلِيدَةً مِنْ عَيْبٍ وَجَدَهُ بِهَا، وَقَدْ أَصَابَهَا أَنَّهَا إنْ كَانَتْ بِكْرًا فَعَلَيْهِ مَا نَقَصَ مِنْ ثَمَنِهَا، وَإِنْ

ــ

[المنتقى]

الْبَائِعِ أَوْ يَحْدُثَ بِغَيْرِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ، فَأَمَّا مَا يَحْدُثُ بِسَبَبِ الْعَيْبِ مِثْلَ أَنْ يُدَلِّسَ بِمَرَضٍ فَيَمُوتَ مِنْهُ أَوْ يُدَلِّسَ بِسَرِقَةٍ فَتُقْطَعَ يَدُهُ فَيَمُوتَ أَوْ يُدَلِّسَ بِحَمْلٍ فَتَمُوتَ مِنْهُ فَهَذَا يَرْجِعُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ تَعَدَّى بِكِتْمَانِ عَيْبٍ قَدْ عَلِمَهُ فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِهَلَاكِ الْمَبِيعِ فَلَزِمَهُ ضَمَانُهُ لَمَّا كَانَ هَلَاكُهُ مِنْ سَبَبِهِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

فَإِنْ دَلَّسَ بِإِبَاقٍ فَأَبِقَ لَمْ يَخْتَلِفْ أَصْحَابُنَا أَنَّ عَلَى الْبَائِعِ رَدَّ جَمِيعِ الثَّمَنِ إلَّا مُحَمَّدَ بْنَ دِينَارٍ فَإِنَّ ابْنَ حَبِيبٍ ذَكَرَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ إذَا هَلَكَ بِإِبَاقِهِ فَإِنَّ لِلْمُبْتَاعِ قِيمَةَ عَيْبِ الْإِبَاقِ خَاصَّةً إلَّا أَنْ يُلْجِئَهُ الْهَرَبُ فِي عَطَبٍ كَالنَّهْرِ يَقْتَحِمُهُ أَوْ يَتَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَيَهْلِكَ بِذَلِكَ أَوْ يَتَوَارَى فِي مَوْضِعٍ فَتَنْهَشُهُ حَيَّةٌ فَهَذَا يَرُدُّ الْبَائِعُ فِيهِ جَمِيعَ الثَّمَنِ، فَأَمَّا أَنْ يَمْرَضَ فِي إبَاقِهِ فَيَمُوتَ أَوْ يُجْهَلَ أَمْرُهُ فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ إلَّا بِقِيمَةِ الْعَيْبِ وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ وَالْجُمْهُورِ أَنَّهُ هَلَكَ بِعَيْبٍ دَلَّسَ بِهِ الْبَائِعُ فَكَانَ عَلَيْهِ جَمِيعُ الثَّمَنِ كَمَا لَوْ دَلَّسَ بِمَرَضٍ فَمَاتَ مِنْهُ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ دِينَارٍ أَنَّ مَا اعْتَرَضَهُ مِنْ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ لَيْسَ مِنْ جُمْلَةِ الْإِبَاقِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا مَا يَحْدُثُ بِإِذْنِ الْبَائِعِ فَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ فِي الْأَقْضِيَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

١ -

(فَصْلٌ) :

ثُمَّ نَرْجِعُ إلَى الْأَصْلِ وَنَقُولُ قَوْلُهُ فَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ وَبِهِ الْعَيْبُ الَّذِي كَانَ بِهِ يَوْمَ اشْتَرَاهُ فَيُنْظَرُ كَمْ ثَمَنُهُ إلَى آخِرِ الْفَصْلِ يَقْتَضِي أَنَّ الرُّجُوعَ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ إنَّمَا يَكُونُ إذَا كَانَ الْعَيْبُ بَاقِيًا إلَى وَقْتِ الْفَوَاتِ، فَأَمَّا إنْ زَالَ الْعَيْبُ قَبْلَ فَوَاتِ الْعَبْدِ بِالْعِتْقِ وَالْمَوْتِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَلَا رُجُوعَ لِلْمُبْتَاعِ عَلَى الْبَائِعِ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْعَبْدُ بَاقِيًا، وَقَدْ زَالَ عَنْهُ الْعَيْبُ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَدٌّ بِعَيْبٍ قَدْ زَالَ فَكَذَلِكَ لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِقِيمَتِهِ بَعْدَ فَوَاتِ الْمَبِيعِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَالْعُيُوبُ فِي ذَلِكَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: عُيُوبٌ إذَا ذَهَبَتْ لَمْ يُخْشَ عَاقِبَتُهَا كَالْبَيَاضِ فِي الْعَيْنِ وَالْمَرَضِ وَالْوَلَدِ يَمُوتُ وَالْجُرْحِ يَبْرَأُ عَلَى غَيْرِ شَيْنٍ، فَإِنْ أَخَذَ لَهُ عَقْلًا فَهَذَا لَا خِلَافَ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الصَّحِيحِ الَّذِي لَمْ يَكُنْ بِهِ شَيْنٌ، وَإِنْ مَاتَ أَوْ عَتَقَ بَعْدَ زَوَالِ هَذِهِ الْمَعَانِي فَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِشَيْءٍ، وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ قَائِمًا لَمْ يَكُنْ لَهُ رَدُّهُ بَعْدَ ذَهَابِ هَذِهِ الْمَعَانِي وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ وَمِنْهَا عُيُوبٌ يُتَّقَى عَاقِبَتُهَا وَيُتَّقَى عَادِيَتُهَا أَوْ عَوْدَتُهَا، فَأَمَّا مَا تُتَّقَى عَادِيَتُهُ كَالسَّرِقَةِ وَالْإِبَاقِ قَالَ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الصَّبِيِّ يَأْبَقُ فِي الْكِتَابِ ثُمَّ يَبْلُغُ وَيَكْبَرُ لَا يَبِيعُهُ حَتَّى يُبَيِّنَ؛ لِأَنَّ عَادَتَهُ تَبْقَى، وَأَمَّا الْجَارِيَةُ تَبُولُ فِي الْفِرَاشِ، ثُمَّ انْقَطَعَ عَنْهَا ذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ هُوَ عَيْبٌ، وَقَالَ أَشْهَبُ إنْ انْقَطَعَ انْقِطَاعًا بَيِّنًا كَالسِّنِينَ الْكَثِيرَةِ فَلَيْسَ بِعَيْبٍ، وَإِنْ كَانَ أَمْرًا يَسِيرًا فَهُوَ عَيْبٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ فِي ذَلِكَ وَاحِدًا إذَا انْقَطَعَ ذَلِكَ عَنْهَا الْعَشَرَةَ الْأَعْوَامَ وَنَحْوَهَا عَلَى أَنَّهُمَا قَدْ اخْتَلَفَا فِي الْجُنُونِ كَاخْتِلَافِهِمَا فِي هَذَا وَأَمْرُ الْجُنُونِ أَشَدُّ، وَأَمَّا الزَّوْجُ لِلْأَمَةِ وَالزَّوْجَةُ لِلْعَبْدِ يَمُوتَانِ أَوْ يَفْتَرِقَانِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ كِنَانَةِ فِي الْمُزَنِيَّة لَيْسَ بِعَيْبٍ، وَقَالَ مَالِكٌ مِنْ رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْهُ هُوَ عَيْبٌ وَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ الْعَيْبَ قَدْ ذَهَبَ بِالْفُرْقَةِ أَوْ الْمَوْتِ كَالْبَيَاضِ يَكُونُ بِالْعَيْنِ وَجْهُ رِوَايَةِ أَشْهَبَ أَنَّ مَنْ اعْتَادَ ذَلِكَ مِنْهُمَا دَعَا إلَيْهِ وَطَلَبَهُ، وَذَلِكَ مُفْسِدٌ لِحَالِهِ وَمُؤَثِّرٌ فِي خِدْمَتِهِ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ إنَّمَا ذَلِكَ لِأَنَّ النَّاسَ أَرْغَبُ فِي مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ قَطُّ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا مَا يُتَّقَى عَوْدَتُهُ مِنْ الْجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَالْبَرَصِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْجُنُونِ هُوَ عَيْبٌ؛ لِأَنَّهُ تَكْثُرُ رَجْعَتُهُ، وَقَالَ أَشْهَبُ إذَا بَرِئَ حَتَّى أُمِنَتْ عَوْدَتُهُ فَلَيْسَ بِعَيْبٍ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَإِنَّمَا تَكُون الْقِيمَةُ يَوْمَ اشْتَرَى الْعَبْدَ يُرِيدُ فِي الرَّدِّ وَالْإِمْسَاكِ؛ لِأَنَّهُ إذَا زَادَ فَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْجُزْءِ الَّذِي تَلِفَ عِنْدَهُ يَوْمَ الشِّرَاءِ إلَّا أَنَّهُ فِي ذَلِكَ ضَمِنَهُ، وَإِنْ أَرَادَ التَّمَسُّكَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ بِقِيمَةِ عَيْبِ التَّدْلِيسِ؛ لِأَنَّ الْجُزْءَ الَّذِي دَلَّسَ بِنَقْصِهِ إنَّمَا دَفَعَ قِيمَةَ الثَّمَنِ عَلَى قِيمَةِ قَدْرِهِ مِنْ الْمَبِيعِ ذَلِكَ الْيَوْمَ فَإِنَّمَا الرُّجُوعُ بِقَدْرِهِ ذَلِكَ الْيَوْمَ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي دُفِعَ فِي الْجُمْلَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>