بعدهمْ السُّلْطَان صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب
وَلم يزل على رياسة الطِّبّ إِلَى أَن توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَخَمْسمِائة وَأول مَا أدخلهُ أَبوهُ الشَّيْخ السديد إِلَى الْآمِر فصده فأعجبه حركاته وَقَالَ لَهُ أَحْسَنت وَأطلق لَهُ من الْأَنْعَام والهبات والجاري شَيْئا كثيرا وَأمره بملازمة الْقصر وَحصل لَهُ فِي يَوْم وَاحِد من المعالجة لبَعض الْخُلَفَاء ثَلَاثَة آلَاف دِينَار مصرية وَلما وصل الْمُهَذّب النقاش من بَغْدَاد إِلَى دمشق أَقَامَ بهَا مُدَّة وَلم يحصل لَهُ مَا يَقُول بكفايته وبلغته أَخْبَار الْخُلَفَاء المصريين فتاقت نَفسه إِلَى الديار المصرية وَتوجه إِلَيْهَا وَاجْتمعَ بالشيخ السديد وعرفه أمره فَلَمَّا سمع كَلَامه قَالَ لَهُ كم يَكْفِيك قَالَ عشرَة دَنَانِير فِي كل شهر فَقَالَ لَهُ لَا هَذَا الْقدر لَا يَكْفِيك وَأمر لَهُ بِخمْس عشرَة دِينَارا وَأَعْطَاهُ بَيْتا إِلَى جَانِبه وفرشة وَبغلة جَارِيَة حسناء وخلعةً سنية وَقَالَ هَذَا لَك فِي كل شهر وَمَا تحْتَاج إِلَيْهِ من الْكتب وَغَيرهَا يَأْتِيك على وفْق المُرَاد بِشَرْط أَن لَا تتطاول إِلَى الِاجْتِمَاع بأحدٍ من أَرْبَاب الدولة وَلَا تطلب شَيْئا من جِهَة الْخُلَفَاء فَقبل ذَلِك وَلم يزل الْمُهَذّب النقاش على ذَلِك بِالْقَاهِرَةِ إِلَى أَن عَاد إِلَى دمشق وَكَانَ الشَّيْخ السديد قد رأى فِي مَنَامه أَن دَاره احترقت فانتبه مَرْعُوبًا وَشرع فِي عمَارَة دَار أُخْرَى قريبَة مِنْهَا وحث الصناع على عمارتها فكلمت وَلم يبْق إِلَّا مجلسٌ وَاحِد وينتقل إِلَيْهَا فاحترقت الدَّار الَّتِي هُوَ ساكنها وَذهب لَهُ فِيهَا من الأثاث والآلات والأمتعة شيءٌ كثير جدا وَوَقعت براني كبار وخوابي ممتلئة من الذَّهَب الْمصْرِيّ وتكسرت وتناثر مَا فِيهَا فِي الْحَرِيق وَالْهدم وَشَاهده النَّاس وَبَعضه انسبك وَكَانَ ذَلِك ألوفاً)
كَثِيرَة وَكتب إِلَيْهِ الْحُسَيْن بن عَليّ بن إِبْرَاهِيم الْجُوَيْنِيّ الْكَاتِب من الوافر
(أيا من الْحق نعْمَته قديمٌ ... على المرؤوس منا والرئيس)
(فكم عافٍ أعدت لَهُ العوافي ... وَكم عَنَّا نضيت لِبَاس بوس)
(وَيَا من نَفسه أَعلَى محلاًّ ... من المنفوس يعْدم والنفيس)
(جرعت مرَارَة أحلى مذاقاً ... لمثلك من كميتٍ خندريس)
(فعاين من عرَاك بِنور تقوى ... خلائقك الَّتِي هِيَ كالشموس)
(مصابك بِالَّذِي أضحى ثَوابًا ... يُرِيك الْبشر فِي الْيَوْم العبوس)
(عَطاء الله يَوْم الْعرض يسمو ... مماثلةً عَن الْعرض الخسيس)
(هموم الْخلق فِي الدُّنْيَا شرابٌ ... يَدُور عَلَيْهَا مثل الكؤوس)
(تروم الرّوح فِي الدُّنْيَا بعقلٍ ... ترى الْأَرْوَاح مِنْهَا فِي حبوس)
(وكل حوادث الدُّنْيَا يسيرٌ ... إِذا بقيت حشاشات النُّفُوس)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute