فِي ديوَان الْإِنْشَاء بقلعة الجيل تفل الْجَمَاعَة الموقعون وَكتب بَعضهم إليّ شعرًا من بَاب الهناء وأجبته ثمَّ بعد مُدَّة كتب إليَّ زين الدّين هَذَا من الطَّوِيل
(تَأَخَّرت فِي مدحي لِأَنِّي مقصِّرٌ ... وَفضل صَلَاح الدّين مَا زَالَ يستر)
(خَلِيل لَهُ الْآدَاب حَقًا ينالها ... جليل بِهِ الْأَصْحَاب تسمو تَفْخَر)
(لقد آنس الْأَمْصَار لما أَتَى لَهَا ... وأوحش ربع الشَّام إِذْ كَانَ يقفر)
(فَلَا شهِدت عَيْنَايَ سَاعَة بعده ... وَلَا سهدت شوقاً إِلَيْهِ فتسهر)
(ودام عليَّ الْقدر يرقى إِلَى الْعلَا ... محامده بَين الْأَنَام تسطَّر)
فَكتب الْجَواب إِلَيْهِ عَن ذَلِك من الطَّوِيل
(تفضّلت زين الدّين إِذْ أَنْت أكبر ... وأشرف من مدحٍ بِهِ العَبْد يذكر)
(فشرّفت قدريحين شنّفت مسمعي ... فيا من رأى شعرًا على الدرِّ يفخر)
(فَمَا هُوَ شعر يحضر الْوَزْن لَفظه ... وَلكنه شيءٌ من السّحر يُؤثر)
(يجوز بِلَا إذنٍ على الْأذن خفَّةً ... كأنّ الزلَال العذب مِنْهُ يفجَّر)
(فها أَنا مِنْهُ فِي نعيمٍ مخلَّدٍ ... وعيشي بخضرٍ فِي رَبًّا مصر أَخْضَر)
وَكتب إليَّ ملغزاً فِي قطن يَا سيد الْعلم والبلغاء وقدوة الكتّاب والأدباء مَا اسْم أوّل سورتين من الْقُرْآن وحرف من أول سورةٍ أُخْرَى وَهُوَ ثَلَاثَة أحرف ولقاه ثَمَانِيَة إِذا أفردت مَجْمُوعه سرا وجهراً أول حُرُوفه ينْسب إِلَيْهِ أحد الْجبَال وَآخِرهَا قسما لَا يزَال إِن حذفت أَوله وصحّفت ثَانِيه فَهُوَ ظن حَقِيقَته الآمال أَو صحّفت جملَته كَانَ وصف مؤمنٍ يجْرِي على هَذَا المنوال أَو حذفت أوسطه مَعَ)
التحريف كَانَ عبدا لَا يعْتق أَو حذفت آخِره مَعَ بَقَاء التحريف كَانَ حَيَوَانا يسرق وَلَا يسرق ويأنس وينفر ويقيَّد بِالْإِحْسَانِ وَهُوَ مُطلق يطوف بِالْبَيْتِ ويأوي فِي الْمنَازل إِلَى الحيّ وَالْمَيِّت لَا يُبَاع وَلَا يشترى وعينه الْمجَاز حَقِيقَة تبلغ قيمَة تماثل جوهراً وَإِن أبقيت هَذَا الِاسْم على حَالَته فَهُوَ شَيْء لَا يَسْتَغْنِي عَنهُ مَسْجِد وَلَا جَامع وَلَا بيع وَلَا صوامع وَلَا مُسلم وَلَا كَافِر وَلَا قاطن وَلَا مُسَافر وَلَا غنيّ وَلَا فَقير صابر وَلَا قوي وَلَا ضَعِيف وَلَا مشروف وَلَا شرِيف وَلَا خائن وَلَا مَأْمُون وَلَا حيّ وَلَا من سقِِي بكاس الْمنون وَمَعَ ذَلِك فَهُوَ جليل حقير قَلِيل كثير تملكه الْمَالِك والمملوك والمليّ والصّعلوك وَهُوَ شَيْء ممتهن ويعلو على رُؤُوس الْأُمَرَاء والوزراء والملوك قلبه بالتحريف فعل مضى وَاسم إِذا نطق بِهِ قد يرتضى وَهُوَ قد يَبْدُو بِهِ النُّور فِي الدّياجي وَعند الصَّباح يَنْقَطِع مِنْهُ أمل الراجي لَا يَسْتَغْنِي بَيت عَنهُ وَلَا بقْعَة وَمَعَ ذَلِك يُبَاع بفلسٍ ودينار وَفَوق ذَلِك فِي الرِّفعة وَهُوَ بيِّن وَاضح وحلِّله بميزان عقلك الرَّاجِح إِن شَاءَ الله تَعَالَى