للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد رجحتُ ما سبق؛ للأسبابِ الآتية:

الأول: قوةُ أدلةِ أصحابِ القولِ الأولِ، ولا سيَّما الإِجماع الَّذي ذكروه، فلم يَزَلْ أتباعُ الأئمةِ في عهدِ أئمةِ الإِسلام ينقلون أقوالَ المجتهدين الأموات، ويقررونها، ويناظرونَ لنصرتِها، دون أنْ يُنْكِرَ عليهم أحدٌ.

الثاني: عملُ الفقهاءِ في مصنفاتِهم، فتجد فيها أقوالَ المجتهدين الأموات، تُقَرّر، ويُسْتَدلُّ لها، ويُعْتَرضُ عليها، ولو ماتتْ أقوالُهم بموتِهم، لكان ذكرهُم لها ضربًا مِن ضروبِ العبثِ.

الثالث: حاجةُ الناسِ إِلى تقليدِ المجتهدِ الميتِ، ولا سيما مع ندرةِ المجتهدين (١).

يقولُ ابنُ الصلاحِ عن أثرِ القولِ الثاني المانعِ مِن تقليدِ الميت: "يجرُّ خَبطًا في الأعصارِ المتأخرةِ" (٢).

ويقولُ صفيُّ الدين الهندي: "لو لم نجوِّز هذا - أيْ: العمل بقول الميت - لأدَّى ذلك إِلى أنَّ الشريعةَ غيرُ وافيةٍ ببيانِ أكثر الوقائعِ الحادثةِ، ومعلومٌ أنَّ هذا يؤدِّي إِلى التهارجِ وفسادِ أحوالِ الناسِ" (٣).

الرابع: ضعفُ أدلةِ الأقوالِ الأخرى؛ بما وَرَدَ عليها مِنْ مناقشاتٍ.

• نوع الخلاف:

مالَ البنانيُّ إِلى أنَّ الخلافَ في مسألةِ: (تقليد الميت) خلافٌ لفظي (٤)، يقول: "قد يُقَالُ: مَنْعُه له - أي: منع الرَّازي لتقليدِ الميت - إِنَّما هو مِنْ حيثُ كونُه عن الميتِ، وإِلَّا فَيُعْمَل به عنده مِنْ حيثُ نقلُ الثقةِ له


(١) انظر: البحر المحيط (٦/ ٢٨٨).
(٢) أدب المفتي والمستفتي (ص/ ١٦٠). وانظر: المجموع شرح المهذب للنووي (١/ ٥٥).
(٣) نهاية الوصول (٨/ ٣٨٨٦).
(٤) انظر: حاشية البناني على شرح المحلي على جمع الجوامع (٢/ ٣٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>