للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن ظمئْتَ فارشِفن ... ريق الحسين والحسنْ

وله:

ناسَقني الوصْل فهنَّيتهُ ... ميقات موسى فات بالصَّدِّ

لا بدَّ من بينٍ على غرَّةٍ ... ما أنت إلا زمن الوردِ

وله:

لنا نفوسٌ إذا هي انصدعت ... بلمح طرفٍ تقوم ساعتها

عزَّت فعاشت بفقرها رغداً ... وفي اعتزال الأنام راحتها

وله:

نضارة أهل الكيفِ ظلٌّ من اكتسى ... به نحو شهرٍ ظلَّ في النَّاس عاريا

على وجه ميٍّ مسحةٌ من ملاحةٍ ... تزول ويبقى الخزيُ من بعد باديا

وله:

أعدَّ لهمِّه أوراق كيفٍ ... تمدُّ من السرور عليه فيئا

كألسنة الشموع تضيء لكن ... تذيب نفوسها شيئاً فشيئا

أحمد بن شاهين عين الزمان ويمينه، لو حلف ليأتين بمثله حنثت يمينه.

فهو شخصٌ كله جود، وما من فضلٍ إلا في ذاته موجود.

موارد كرمه سائغة، وملابس نعمه سابغة.

مورق عيدان العلا رطبها ... أبلج وجه العرف بسَّامهُ

مع شيمةٍ لو أنَّها في الماء ما تغير، وهمةٍ لو أنَّها للنَّجم ما تغور. وأيادٍ روائحٌ غوادي، كنسيم الرياض غبَّ الغوادي.

فللمزنِ فيض بنانه، وللروض حسن افتنانه. وله فكرٌ إذا اتقد تلهب منه اللهب، وخلقٌ إذا انتقد تبهرج عنده الذهب.

وكان في مبدإه من الجند على طريقة والده، حتى بلغ فنزع بنفسه إلى مجدٍ أغناه مطرفه عن تالده. وحبب إليه أنواع المعارف، فاعتاض عن حمر المضارب بسود المراعف.

كما قال:

صبوت إلى حبِّ الفضائل بعدما ... تقلَّدت خطِّيًّا وصلت بمخذمِ

ومارست من بعد القناة يراعةً ... كأبيض مصقول العوارض لهذمِ

وصار مدادي من سواد محاجري ... وقد كان محمرًّا يسيل كعندمِ

فجاء من التحائف التي بيضت وجوه القراطيس، وجذبت المحاسن إلى صوبها جذب المغناطيس. بما أطلع قدود المها محفوفةً بالولائد، ولآلي الثغور كأنَّها على العقد قد نظمها للقلائد. إلى نظامٍ مثل السوالف زمَّت بالشعور، وأداءٍ كدرر البحور علِّقت في النحور. وشعره وإنشاؤه إذا رآهما الأديب، قال: ليس للبلاغة إلا ذان، يلجان السمع إلى القلب بلا أذانٍ ولا استئذان. أحاطت ببدائعه حواشي الإجادة، إحاطة الحلل بالقدود، وتوشت رياض روائعه بالملاحة توشية العذار بورد الخدود.

فكل ما كتبه أوفاه به لسانه، لا سبيل لأن يجحد حسنه وينكر استحسانه. ومضى عليه زمن وهو في عيشٍ رفيه، والعز ناظر وهو نورٌ فيه.

حتى أسن فوقف الدهر في تعهده دون حقوقه، وخرج إلى ما كان يهيؤه له من بره إلى عقوقه. وأخر مطالبه تأخير الغريم، لدين الكريم.

وبدله عن النشاط المقيم، بالحظ العقيم.

وللزمان حال لا إلى بقا، وصفوٌ لا يبقى على نقا.

فسلوة الأيام موعدها الحشر، ولكتابها منتهًى هو النشر.

ثم عاجله الحِمام، فسقى تربه هطَّال الغمام.

وما جاده الغيثُ عن غُلَّةٍ ... ولكن ليبكي النَّدى بالنَّدى

وقيل فيه:

قلت لما قضى ابن شاهين نحباً ... وهو مولًى كلٌّ يشير إليهِ

رحم الله سيِّداً وعزيزاً ... بكت الأرض والسَّماء عليه

فمما اخترته من آثاره، وألمعت به من نظامه ونثاره. رسالة ألمع على الأسلوب البديع، وجرى فيها على أسلوب البديع.

كتب بها إلى شيخه الحسن البوريني، يتعهد بها مطالعته، ويسأل مراجعته. عقب مهاجرة وقعت بينهما، واقتضت بينهما: أعز الله الشيخ الذي سكن من الجوارح أشرفها، وسلك من طرق الجفا أوعرها وأسرفها.

وبالغ في العقوبة وزاد، واستغرق أوقات الوداد بالبعد والعناد.

وارتكب مركباً من الخليقة صعباً، وقطع جميع الطرق إلا طريق الوفا وثباً.

واستعار أذناً ليستوعي بها المثالب، وعيناً ينظر بها المصائب.

ويداً يبطش بها من كل صاحب ومصاحب، ورجلاً يسعى بها إلى الأباعد دون الأقارب.

ووجهاً يتصرف في أسرَّته، كتصرُّف الملك الجائر في رعيته.

ويفعل بمحبيه، ما لا يفعل الدَّهر ببنيه.

لا تظهر الطلاقة في وجهه إلا ريثما يخلطها بإعراض، ولا ينبسط هنيئةً من الزَّمان إلا وهو وشيك انقباض.

يبدو لطفه لمعاً ثم ينقطع، ويحلو ماؤه جرعاً ثم يمتنع.

<<  <  ج: ص:  >  >>