وهَّابُ أذوادِ المطافل يكتفي ... بسقوبها بل واهب الأخطارِ
ينسي أحاديث المكارم إنه ... ملغي الوعود ومهدر الأعذارِ
يطفو السَّخاء على أسرَّته كما ... يطفو الفرنْد على الصقيل العاري
ما زال في طلب العلا حتَّى انبرى ... كهلاً فأدرك خمسة الأشبارِ
في بردتيه أبو دؤاد لجاره ... ولمن يناويه أبو الأذعارِ
مولاي يا كهف الأفاضل والنُّهى ... ويمين بيت الله ذي الأستارِ
إنَّي لأُكبر منك هيبة ضيغمٍ ... وأجلُّها مني عن الإكبارِ
سأقول فيك الشِّعر يقطر حسنه ... أو يستمدُّ السِّحر من أشعاري
يزري بوشيِ الرَّوض نمَّق نوره ... كفُّ النَّسيم وراحة الأمطارِ
وله من أخرى، مطلعها:
أمؤنِّبي في الحبِّ لا متواني ... ما أنت من ولهي ومن سلواني
لا تسقني ماء الملام فإنَّما ... عيناي من ماء الهوى عينانِ
وله بجانحتيَّ صون حديثه ... دينٌ وشأني مخبرٌ عن شاني
لولا ضرامٌ شبَّ بين جوانحي ... لغرقتُ من غربيَّ بالطُوفانِ
رفقاً فلا غير المنية والجوى ... هو أوَّلٌ وهي المحلُّ الثاني
ليت الذي فهقت كؤوس جفونه ... أنهى بهنَّ إليك ما سقَّاني
إنَّ المذرَّبةَ الظُّبي ولحاظه ... أنَّى اتَّجهتُ من الهوى سيَّانِ
لله من أجفان جؤذرِ كلَّةٍ ... يرعى الحشا بدلاً عن الحوذانِ
يطفو النَّعيم على غرارة وجهه ... فترفُّ منه شقائق النُّعمانِ
متوضِّح القسمات يبرح خالباً ... منِّي جناني جاذباً بعناني
وبغيضةٌ سبل الغرام إليَّ ما ... لم يعتسفها ضلَّة الهجرانِ
وسبيَّةٍ من خمر عانة مزَّة ... نظم المزاج بها عقود جمانِ
قتلت بصوبٍ من صبير غمامةٍ ... لمعت بمثل مصابح الرُّهبانِ
ومنها في المديح:
فرعٌ تمكَّن من نصابٍ دونه ... أخذُ الكميِّ بمنكبي ثهلانِ
يقظٌ بأعقاب الأمور كأنَّما ... يدلي بجاسوسٍ إلى الكتمانِ
لا تطَّبيهِ مدامةٌ تجلى على ... عزف القيان ورنَّة العيدانِ
عمَّت فضائله وذاع نوالهُ ... كالشَّمس لا تخفى بكلِّ مكانِ
منها:
واستجلِها عذراء عُلَّ رضابُها ... حمراء تهزأ بالنجيع القاني
شُجَّت بذي خصرٍ يبدِّد فوقها ... حبَيَاً يجول كأعين النِّينانِ
النينان: جمع نونٍ، وهو الحوت. قيل هو جمعٌ غير معروف.
وقد كان سيبويه لحن بشار بن برد، في قوله في صفة السفينة:
تلاعب نينان البحور ورُبَّما ... رأيت نفوس القوم من جريها تجري
فغيره بشار بتيار البحور وقد قال أبو الطيب يصف خيلاً:
فهنَّ مع السيدان في البرِّ عسَّلٌ ... وهنَّ مع النينان في البحر عوَّمُ
قلت: وأبو الطيب، له في اللغة النظر الصيِّب، وهو ممن يميز الخبيث من الطيب. ومن نتفه ومقاطيعه قوله:
عاطيته حلب العصير ولا سوى ... زهر النُّجوم تجاه زهر المجلسِ
انظر إليه كأنَّه متبرمٌ ... مما تغازله عيون النَّرجسِ
وكأنَّ صفحة خدِّه ياقوتةٌ ... وكأنَّ عارضه خميلة سندسِ
هذا على أسلوب قول ابن هانئ الأندلسي:
خالسته نظراً وكان مورَّداً ... فاحمرَّ حتى كاد أن يتلهَّبا
انظر إليه كأنَّه متنصِّلٌ ... بجفونه ولقد يكون المذنبا
وكأنَّ صفحة خدِّه وعذاره ... تفَّاحةٌ رميت لتقتل عقربا
وله:
صادفته متبذِّلاً بصحابه ... يوماً فأقصر عنهم في منزلِ
وتركته نهب الرِّعاع وإنَّه ... أشهى إليَّ من الرَّحيق السلسلِ
وله:
لقد علقْتَ يا فؤادي ... بالحسين ذي الوسنْ